مُسْتَحِلٌّ لِذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ مَاتَ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ وَأَنَّهُ كَذَبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنْعِهِ مِيرَاثَ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمْ يَتُبْ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى ذَلِكَ فَحَكَمَ قَاضِي الْمَالِكِيَّةِ بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَقُلُوبُ الْخَلَائِقِ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى قَتْلِهِ فَادَّعَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذَا قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ.
وَالْجَوَابُ كَذَبَ مَنْ قَالَ: إنَّ قَتْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ بَلْ قَتْلُهُ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ مُصِرٌّ عَلَى كُفْرِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ كَافِرٌ لِأُمُورٍ:
(أَحَدُهَا) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَمَى رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ: عَدُوُّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ» وَنَحْنُ نَتَحَقَّقُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَيَرْجِعُ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ مَا قَالَهُ بِمُقْتَضَى نَصِّ الْحَدِيثِ فَيُحْكَمُ بِكُفْرِهِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ هُوَ لَمْ يَعْتَقِدْ الْكُفْرَ بِقَتْلِهِ كَمَا يُحْكَمُ عَلَى مَنْ سَجَدَ لِلصَّنَمِ أَوْ أَلْقَى الْمُصْحَفَ فِي الْقَاذُورَاتِ بِالْكُفْرِ، وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ بِقَلْبِهِ لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَكْفِيرِ فَاعِلِ ذَلِكَ وَيَشْهَدُ لِهَذَا مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى الْخَوَارِجِ الَّذِينَ كَفَّرُوا أَعْلَامَ الْأُمَّةِ فَهَذَا نَصُّ مَالِكٍ يُوَافِقُ اسْتِنْبَاطِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَكْفِيرَ هَذَا الْقَائِلِ، وَلَا يَضُرُّنَا كَوْنُ هَذَا خَبَرَ وَاحِدٍ لِأَنَّا نَعْمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْحُكْمِ بِالتَّكْفِيرِ وَإِنَّمَا لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي الْكُفْرِ نَفْسِهِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى جَحْدِ أَمْرٍ قَطْعِيٍّ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ عَدَمُ تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ قُلْت: رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْمَنْقُولِ مِنْ عَدَمِ التَّكْفِيرِ، وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ سَبَبٌ مُكَفِّرٌ كَمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ إلَّا مُجَرَّدُ الْخُرُوجِ وَالْقِتَالِ وَنَحْوِهِ أَمَّا مَعَ التَّكْفِيرِ لِمَنْ تَحَقَّقَ إيمَانُهُ فَمِنْ أَيْنَ ذَلِكَ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ الْأُصُولِيُّونَ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَمِنْهُمْ سَيْفُ الدِّينِ الْآمِدِيُّ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الْمُكَفِّرِينَ كَيْفَ لَا نُكَفِّرُ الشِّيعَةَ وَالْخَوَارِجَ مِنْ تَكْفِيرِهِمْ أَعْلَامَ الصَّحَابَةِ وَتَكْذِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَطْعِهِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ.
وَأَجَابَ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ الْكُفْرُ يَعْلَمُ بِتَزْكِيَةِ مَنْ كَفَّرَهُ قَطْعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَى مَمَاتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَهَذَا الْجَوَابُ يَمْنَعُ مَا قُلْتُمْ.
قُلْت: هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا نُظِرَ فِيهِ إلَى أَنَّ الْمُكَفِّرَ لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ تَكْذِيبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُنْظَرْ إلَى مَا قُلْنَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute