عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْتِزَامُهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ إذَا لَمْ يَتْرُكْ الرِّبَا وَلَا أَقَرَّ بِهِ كُفِّرَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِيٌّ فَإِيذَاؤُهُ مُبَارَزَةٌ بِمُحَارَبَةِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ» وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُؤْمِنٌ وَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ كِفَايَةٌ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ.
(الدَّلِيلُ الثَّانِي) اسْتِحْلَالُهُ لِذَلِكَ بِمُقْتَضَى اعْتِرَافِهِ وَمَنْ اسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فَقَدْ كَفَرَ وَلَا شَكَّ أَنَّ لَعْنَتَهُ الصِّدِّيقَ وَسَبَّهُ مُحَرَّمٌ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَاللَّعْنُ أَشَدُّ السَّبِّ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سِبَابُ الْمُؤْمِنِ فُسُوقٌ» فَسَبُّ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِسْقٌ.
فَإِنْ قُلْت: إنَّمَا يَكُونُ اسْتِحْلَالُ الْحَرَامِ كُفْرًا إذَا كَانَ تَحْرِيمُهُ مَعْلُومًا بِالدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.
قُلْت: وَتَحْرِيمُ سَبِّ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَلَى حُسْنِ إسْلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ الدَّالَّةِ عَلَى إيمَانِهِ وَأَنَّهُ دَامَ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِنْ شَكَّ فِيهِ الرَّافِضِيُّ وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَتَحْرِيمُ لَعْنِهِ وَسَبِّهِ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَيَكُونُ مُسْتَحِلُّهُ كَافِرًا، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا إلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنْ يُكَفَّرَ مُسْتَحِلُّ مَا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ فَأَخَذَهُ أَنَّهُ إنَّمَا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ بِالضَّرُورَةِ وَكَانَ ذَلِكَ الْعِلْمُ حَاصِلًا عِنْدَ الْجَاحِدِ فَجَحْدُهُ تَكْذِيبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِذَلِكَ كُفِّرَ الْجَاحِدُ وَالرَّافِضِيُّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِالتَّحْرِيمِ جَاهِلًا عِنْدَهُ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَكْذِيبُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُفْصَلُ مِنْ هَذَا إلَّا بِأَنْ يُقَالَ: إنَّ تَوَاتُرَ ذَلِكَ عِنْدَ عُمُومِ الْخَلْقِ يَكْفِي فَلَا يُعْذَرُ الرَّافِضِيُّ بِالشُّبْهَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي غَطَّتْ عَلَى قَلْبِهِ حَتَّى لَمْ يَعْلَمْ، وَهَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ وَجَدَلٍ وَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ يَمِيلُ إلَى بُطْلَانِ هَذَا الْعُذْرِ.
(الدَّلِيلُ الثَّالِثُ) أَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ الْإِجْمَاعِيَّةَ الَّتِي حَصَلَتْ مِنْ هَذَا الرَّافِضِيِّ وَمُجَاهَرَتَهُ وَلَعْنَهُ وَاسْتِحْلَالَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَإِصْرَارَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَهُمْ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ وَاَلَّذِينَ أَقَامُوا الدِّينَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا عُلِمَ لَهُمْ مِنْ الْمَنَاقِبِ وَالْمَآثِرِ كَالطَّعْنِ فِي الدِّينِ، وَالطَّعْنُ فِي الدِّينِ كُفْرٌ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَدِلَّةٍ ظَهَرَتْ لَنَا فِي قَتْلِهِ.
(الْأَمْرُ الرَّابِعُ) النُّقُولُ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ كَافِرٌ وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute