بِظَاهِرِهِ لَيْسَ بِكُفْرٍ.
فَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ لِكَلَامِ أَحْمَدَ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَوْلًا لَهُ أَنَّ سَبَّ الصَّحَابَةِ كُفْرٌ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَخْرِيجٍ صَحِيحٍ وَلَا فَهْمٍ لِكَلَامٍ آخَرَ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَحْمَدَ فِي سَبِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَجْبُنُ عَنْ قَتْلِهِ وَلَكِنْ يُنَكَّلُ نَكَالًا شَدِيدًا، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعُثْمَانَ أَوْلَى، وَالرِّوَايَةُ الَّتِي عَنْهُ فِي عُثْمَانَ لَا تُعَارِضُ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَلِذَلِكَ قَالَ: زَنْدَقَةٌ وَمَا قَالَ: كُفْرٌ، وَاَلَّذِي يُخَرِّجُ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ أَنْ يَتَأَنَّى فِي فَهْمِ كَلَامِهِمْ وَكَأَنِّي بِك تَقُولُ: أَصْحَابُ أَحْمَدَ أَخْبَرُ بِمُرَادِهِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَهَّمَ عِلْمَهُ مَنْ يَشَاءُ وَقَدْ يُؤْتَى قَصِيرُ الْعِلْمِ فَهْمًا فِي مَسْأَلَةٍ لَا يُعْطَاهُ كَثِيرُ الْعِلْمِ فَاَللَّهُ يَقْسِمُ فَضْلَهُ فِي عِبَادِهِ كَمَا يَشَاءُ.
فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ سَبَّ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كُفْرٌ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ أَوْجَبَ بِهِ الْجَلْدَ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ، وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ خِلَافَ ذَلِكَ إلَّا مَا قَدَّمْته فِي الْخَوَارِجِ فَتَخَرَّجَ عَنْهُ أَنَّهُ كُفْرٌ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَهُ عَلَى حَالَيْنِ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى السَّبِّ مِنْ غَيْرِ تَكْفِيرٍ لَمْ يُكَفَّرْ وَإِنْ كَفَّرَ كُفِّرَ.
فَهَذَا الرَّافِضِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ قَدْ زَادَ إلَى التَّكْفِيرِ فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدِ وَجْهَيْ الشَّافِعِيَّةِ وَزِنْدِيقٌ عِنْدَ أَحْمَدَ بِتَعَرُّضِهِ إلَى عُثْمَانَ الْمُتَضَمَّنِ لِتَخْطِئَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.
وَكُفْرُهُ هَذَا رِدَّةٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ قَبْلَ ذَلِكَ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُرْتَدُّ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَهَذَا اُسْتُتِيبَ فَلَمْ يَتُبْ فَكَانَ قَتْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَوْ جَمِيعِهِمْ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ السَّابَّ لَا يُكَفَّرُ لَمْ نَتَحَقَّقْ مِنْهُ أَنَّهُ يَطْرُدُهُ فِيمَنْ يُكَفِّرُ أَعْلَامَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا إنَّمَا اقْتَصَرْنَا عَلَى الْفِسْقِ فِي مُجَرَّدِ السَّبِّ دُونَ التَّكْفِيرِ وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ إنَّمَا جَبُنَ عَنْ قَتْلِ مَنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ إلَّا السَّبُّ. وَاَلَّذِي صَدَرَ مِنْ هَذَا الْمَلْعُونِ أَعْظَمُ مِنْ السَّبِّ.
وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَنْقُولِ قَوْلُ الطَّحَاوِيَّ فِي عَقِيدَتِهِ فِي الصَّحَابَةِ " وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ " وَهَذَا الْمَنْقُولُ مِنْهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَجْمُوعِ الصَّحَابَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا أَبْغَضَهُ لَا لِأَمْرٍ خَاصٍّ بِهِ بَلْ لِمُجَرَّدِ صُحْبَتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْغِضُهُ لِصُحْبَتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبُغْضُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا أَبْغَضَ صَحَابِيًّا لَا لِأَمْرٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute