وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِكُفْرٍ فَالتَّفْصِيلُ فِي الْأَذَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَتَعَيَّنُ وَبِهِ يَقِفُ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْوَجْهِ إنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِيُعْلَمَ.
وَأَمَّا الْوَقِيعَةُ فِي عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَمُوجِبَةٌ لِلْقَتْلِ لِأَمْرَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْقُرْآنَ يَشْهَدُ بِبَرَاءَتِهَا فَتَكْذِيبُهُ كُفْرٌ وَالْوَقِيعَةُ فِيهَا تَكْذِيبٌ لَهُ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهَا فِرَاشُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْوَقِيعَةُ فِيهَا تَنْقِيصٌ لَهُ وَتَنْقِيصُهُ كُفْرٌ.
وَيَنْبَنِي عَلَى الْمَأْخَذَيْنِ سَائِرُ زَوْجَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ عَلَّلْنَا بِالْأَوَّلِ لَمْ يُقْتَلْ مَنْ وَقَعَ فِي غَيْرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالثَّانِي قُتِلَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ فِرَاشُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَذَفَةَ عَائِشَةَ لِأَنَّ قَذْفَهُمْ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَلَمْ يَكُنْ تَكْذِيبًا لِلْقُرْآنِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ ثَبَتَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ فَلَمْ يَنْعَطِفْ حُكْمُهُ عَلَى مَا قَبْلَهَا.
(الْأَمْرُ السَّادِسُ) وَرَدَ فِي التِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَنِي وَمَنْ آذَاهُمْ آذَانِي» فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ الصُّحْبَةُ فَصَحِيحُ حُكْمِهِ ثَابِتٌ مَعْمُولٌ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَهَذَا هُوَ مِنْ حَيْثُ هُمْ تَعْظِيمًا لِقَدْرِهِمْ لِصُحْبَتِهِمْ لِهَذَا النَّبِيِّ الْعَظِيمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَشْمَلُ الصِّدِّيقَ وَغَيْرَهُ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ وَهُمْ دَرَجَاتٌ وَيَتَفَاوَتُ حُكْمُهُمْ فِي ذَلِكَ بِتَفَاوُتِ مَرَاتِبِهِمْ وَالْجَرِيمَةُ تَزِيدُ بِزِيَادَةِ مَنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ فَلَا يُقْتَصَرُ فِي سَبِّ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْرِ أَدْنَى الصَّحَابَةِ وَإِنْ كَانَ لَا أَدْنَى فِيهِمْ، بَلْ مَعْنَاهُ أَقْرَبُ إلَيْنَا وَكَانَ وَاجِبُهُ الْجَلْدَ فَكَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَرْتَبَةِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرَاتِبُ كُلُّ مَرْتَبَةٍ تَزِيدُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى رُتْبَةِ الصِّدِّيقِ فَكَمْ يَكُونُ وَاجِبُهَا وَكَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ لِمُجَرَّدِ حَقِّ الصُّحْبَةِ وَهُوَ الْوَاجِبُ فَإِذَا انْضَافَ إلَى الصُّحْبَةِ غَيْرُهُ مِمَّا يَقْتَضِي الِاحْتِرَامَ لِنُصْرَةِ الدِّينِ وَحِمَايَةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَمَا حَصَلَ عَلَى يَدِهِ مِنْ الْفُتُوحِ وَخِلَافَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِ ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَقْتَضِي مَزِيدَ حَقٍّ لِأَجْلِهِ زِيَادَةُ عُقُوبَةٍ بِالِاجْتِرَاءِ عَلَيْهِ فَيَزْدَادُ الْوَاجِبُ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِتَجَدُّدِ حُكْمٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَعَ أَحْكَامًا وَأَنَاطَهَا بِأَسْبَابٍ فَنَحْنُ نَتْبَعُ تِلْكَ الْأَسْبَابَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute