للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ أَذِنَتْهُ» يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمْ شَجَرَةٌ، وَهَذَا كَأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْقِصَّةِ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يُخْرِجْ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قِصَّةِ الْجِنِّ إلَّا هَذِهِ الْقِطْعَةَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ وَحْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَأَنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ وَنِعْمَ الْجِنُّ فَسَأَلُونِي الزَّادَ فَدَعَوْت اللَّهَ لَهُمْ أَنْ لَا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثَةٍ إلَّا وَجَدُوا عَلَيْهَا طُعْمًا» .

وَهَذَا الْحَدِيثُ وَحْدَهُ لَا يَدُلُّ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قِرَاءَتُهُ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ لِلِاتِّعَاظِ بِهِ وَسُؤَالُهُ لَهُمْ الزَّادَ، وَجَوَابُهُمْ قَدْ بَيَّنَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِالدُّعَاءِ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مُبَاحًا لَهُمْ بِالْأَصْلِ أَوْ بِشَرِيعَةٍ أُخْرَى أَوْ لَا يَكُونُوا مُكَلَّفِينَ بِذَلِكَ الْفَرْعِ الْخَاصِّ فَدَعَا لَهُمْ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الزَّادُ لَهُمْ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَعَلُّقُ حُكْمٍ لَهُمْ لَكِنَّ الْأَدِلَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ تَكْفِي فِي تَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِهِمْ فَيَحْتَمِلُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِطْلَاقُ الزَّادِ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْأَدِلَّةِ لَا يَدُلُّ بِمُفْرَدِهِ فَإِذَا انْضَمَّ إلَى غَيْرِهِ بَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَحَصَلَتْ الدَّلَالَةُ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.

وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ الرَّحْمَنِ أَوْ قُرِئَتْ عِنْدَهُ فَقَالَ: مَا لِي أَسْمَعُ الْجِنَّ أَحْسَنَ جَوَابًا مِنْكُمْ؛ قَالُوا: وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِ اللَّهِ {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ١٣] إلَّا قَالَتْ الْجِنُّ: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعْمَةِ رَبِّنَا نُكَذِّبُ» . كَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.

وَهَذَا الْجَوَابُ مِنْ الْجِنِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْجِنِّ أَوْ غَيْرِهَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا حَاضِرِينَ عِنْدَهُ فِي مَجْلِسِهِ مَعَ الصَّحَابَةِ وَالصَّحَابَةُ لَا يَرَوْنَهُمْ فَإِنَّ فِي اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِطَابَ لَهُمْ وَلِلْإِنْسِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَلِّغٌ لَهُمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ مَعْنَى الرِّسَالَةِ، وَقَوْلُ الْفَرَّاءِ وَابْنِ الْأَنْبَارِيِّ إنَّ قَوْلَهُ (تُكَذِّبَانِ) مِنْ خِطَابِ الْوَاحِدِ بِخِطَابِ الِاثْنَيْنِ بَعِيدٌ وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّهُ خِطَابٌ لِلثَّقَلَيْنِ.

فَهَذَا مَا حَضَرَنِي مِنْ الْأَدِلَّةِ لِذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَوْ تَتَبَّعْت رُبَّمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْ الْأَدِلَّةِ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَشَرِيعَتَهُ آخِرُ الشَّرَائِعِ وَنَاسِخَةٌ لِكُلِّ شَرِيعَةٍ قَبْلَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>