للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ " بَيَانًا لِلنَّاسِ وَالْمُوَسْوِسِ فِي صُدُورِهِمْ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ وَأَنَّهَا بَيَانٌ لِلْخَنَّاسِ.

وَاسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأُرْسِلْت إلَى الْخَلْقِ كَافَّةً» صَحِيحٌ قَوِيٌّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَاسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّهُ أَتَاهُ دَاعِي الْجِنِّ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ أَرَادُوا الْمَوْعِظَةَ وَلَكِنْ إذَا انْضَمَّ إلَى غَيْرِهِ قَرُبَ.

وَقَوْلُهُ: إنَّهُ حَكَمَ بَيْنَهُمْ إنْ أَرَادَ بِإِجَابَتِهِمْ فِي الزَّادِ وَالْعَظْمِ وَالرَّوْثِ فَصَحِيحٌ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ مَعَ تَوَقُّفٍ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ وَحْدَهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ فِي دَعْوَى مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَلَا أَسْتَحْضِرُهَا، وَلَوْ اتَّفَقَ مِثْلُ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى عُمُومِ الرِّسَالَةِ إلَيْهِمْ.

وَقَدْ فَكَّرْت فِي حَدِيثِ «أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا وَكَّلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ وَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ لِيَسْرِقَ مِنْهَا، وَقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَدْفَعَنَّكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَعْرِفْهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ أَعْلَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ» ، وَلَمْ يَتَّفِقْ رَفْعُهُ حَتَّى نَعْلَمَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَخْبَرَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى بِإِمْسَاكِهِ وَرَفْعِهِ إلَيْهِ وَمُجَرَّدِ إمْسَاكِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَهُ عَنْ السَّرِقَةِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ وَهُوَ جَائِزٌ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ أَمْ لَا كَمَا يُدْفَعُ الصَّبِيُّ وَالْبَهِيمَةُ. فَلِهَذَا لَمْ أَسْتَدِلَّ بِهَا.

وَلَوْ اتَّفَقَ رَفْعُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُكْمُهُ عَلَيْهِ لَمْ أَتَوَقَّفْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ. وَلَيْسَ لِقَائِلٍ ذَلِكَ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ عَلَى مُقْتَضَى اعْتِقَادِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ لَا يَعْتَقِدُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ كَحُكْمِ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْحَنَفِيِّ وَعَكْسِهِ لِأَنَّ تِلْكَ أُمُورٌ مَظْنُونَةٌ فَالشَّافِعِيُّ يَحْكُمُ عَلَى الْحَنَفِيِّ بِمُقْتَضَى ظَنِّهِ وَإِنْ كَانَ الْحَنَفِيُّ مُكَلَّفًا قَبْلَ الْحُكْمِ بِمُقْتَضَى ظَنِّهِ.

وَأَمَّا هُنَا فَالْأَمْرُ مَقْطُوعٌ بِهِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ وَلَا يَحْكُمُ عَلَى أَحَدٍ إلَّا بِحُكْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مَقْطُوعٌ بِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ فَلَوْ رُفِعَ إلَى نَبِيِّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ لَيْسَ مِنْ أُمَّتِهِ وَيَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرْسِلْهُ إلَيْهِ وَأَرْسَلَ إلَيْهِ غَيْرَهُ مِمَّنْ حُكْمُ ذَلِكَ الْفَرْعِ الَّذِي رُفِعَ إلَيْهِ فِي شَرْعِهِ يُخَالِفُ حُكْمَهُ فِي شَرْعِ ذَلِكَ النَّبِيِّ الْمَرْفُوعِ إلَيْهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ النَّبِيَّ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بَلْ نَقُولُ: هَذَا حُكْمُ مَا فَعَلَ فَلَوْ حَكَمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ النَّبِيُّ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ إمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>