للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعُلَمَاءُ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ كَوْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثًا إلَى الثَّقَلَيْنِ، وَرُبَّمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي صُدُورِ تَوَالِيفِهِمْ.

قُلْت: وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَادِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْعِيسَوِيَّةِ وَقَدْ عَلِمْنَا ضَرُورَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ادَّعَى كَوْنَهُ مَبْعُوثًا إلَى الثَّقَلَيْنِ.

وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَيْضًا فِي الشَّامِلِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْعِيسَوِيَّةِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا دَلِيلُكُمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَبْعُوثًا إلَى كَافَّةِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ؟ قُلْنَا: مَنْ اعْتَرَفَ بِنُبُوَّتِهِ وَأَقَرَّ بِوُجُوبِ صِدْقِ لَهْجَتِهِ وَاسْتَسْلَمَ لِقَضِيَّةِ مُعْجِزَتِهِ فَثَبَتَ مَا تَرُومُهُ مِنْ بَعْثَتِهِ إلَى الْكَافَّةِ يَثْبُتُ عَلَى الْفَوْرِ، وَذَلِكَ أَنَّا نَعْلَمُ ضَرُورَةَ وَبَدِيهَةَ أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ تَعَلَّقَ دَعْوَتَهُ لِمَنْ عَلَى بَسِيطِ الْأَرْضِ وَلَا يُخَصِّصُهَا بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ وَهَذَا مِمَّا نُقِلَ تَوَاتُرًا مِنْهُ كَمَا نُقِلَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.

وَأَبْطَالُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي ذَلِكَ رَادًّا عَلَى الْعِيسَوِيَّةِ لَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى نَقْلِ بَقِيَّةِ كَلَامِهِ هُنَا.

وَقَوْلُ ذَلِكَ الْمُسْتَدِلِّ فِيمَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا خَفِيَ عَلَيْهِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّا قَدْ حَمَلْنَا كَلَامَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى مَحْمَلٍ صَحِيحٍ هُوَ أَنَّهُ أَرَادَ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ أَنْ نَقُولَ: إنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ.

وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورُ فِي لَيْلَةِ الْجِنِّ أَتَرَى يَخْفَى عَلَيْهِ مَا فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ وَسُورَةِ الْجِنِّ مَا فِيهِمَا مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ خَاصَّةً لَا حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ حَتَّى يُشَبَّهَ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي خَفِيَتْ عَنْ آحَادِ الصَّحَابَةِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ فِيهِ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَرِيحًا بَلْ هُوَ فِي غَيْرِهِ أَظْهَرُ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَيَجِبُ أَنْ لَا تُطْلَقَ هَذِهِ الْعِبَارَةُ هَاهُنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ مَحِلَّهَا وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ.

وَقَوْلُ السَّائِلِ: هَلْ يَنْهَضُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الْمَطْلُوبِ؟ جَوَابُهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ بَعْضَهُ يَنْهَضُ وَبَعْضَهُ لَا يَنْهَضُ وَقَدْ نَهَضَتْ الْأَدِلَّةُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ عَلَى ذَلِكَ

(فَصْلٌ) قَالَ السَّائِلُ: فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ {أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} [الأحقاف: ٣١] يَرْجِعُ إلَى الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: ١] {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن: ٢] وَقَوْلُهُ {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ} [الجن: ١٣] وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، وَبِتَقْدِيرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ دَالٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَمُطْلَقُ الْإِيمَانِ أَعَمُّ مِنْ الْإِيمَانِ بِكَوْنِهِ رَسُولًا إلَيْهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>