للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إطْلَاقُ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِ مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ حَالِهِ مَا يَقْتَضِي مَعْرِفَتَهُ بِذَلِكَ الْعُرْفِ وَحِينَئِذٍ فَهَلْ نَقُولُ: الْعَقْدُ بَاطِلٌ أَوْ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ يَصِحُّ وَيُلْزِمُ الْيَهُودِيَّ بِالْعَمَلِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّالِثُ؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ مُفَرِّطٌ بِالْإِطْلَاقِ مَعَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ.

وَقَوْلُهُ كَانَ إطْلَاقُ الْعَقْدِ كَالتَّصْرِيحِ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْهَمَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ خُرُوجُ السَّبَبِ عَنْ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَرَى فِي الْإِجَارَةِ خِلَافٌ كَإِجَارَةِ الْعَقِبِ وَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ يَوْمَ السَّبْتِ لِآخَرِ إذَا لَمْ يَلْتَزِمْ بِالسَّبْتِ، وَتَجْوِيزُ ذَلِكَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْعَيْنِ لِشَخْصَيْنِ عَلَى الْكَمَالِ فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَلَامُ الْفُقَهَاءِ يَأْبَاهُ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا وَرَدَ عَقْدٌ عَلَى عَيْنٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ عَلَيْهَا مِثْلُهُ وَهَكَذَا نَقُولُ فِي اسْتِثْنَاءِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فِي اسْتِئْجَارِ الْمُسْلِمِ مُدَّةً لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ مُتَخَلِّلَةٌ بَيْنَ أَزْمَانِ الْإِجَارَةِ تَكُونُ كَإِجَارَةِ الْعَقِبِ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي اسْتِثْنَاءِ اللَّيْلِ أَوْ أَكْثَرِهِ مِنْ اسْتِئْجَارِ الْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ لَيْسَ مَعْنَاهُ خُرُوجَهُ عَنْ عَقْدِ الْإِجَارَةِ بَلْ الَّذِي نَقُولُهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا أَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ الشَّخْصِ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الْمُدَّةِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَمْلُوكَةٌ لَهُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَمَعَ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَوْفِيرُهُ مِنْ الْعَمَلِ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ كَمَا أَنَّ السَّيِّدَ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَةَ عَبْدِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَوْفِيرُهُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَوْقَاتِ الرَّاحَةِ بِاللَّيْلِ وَنَحْوِهِ.

فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لَا مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ شِئْت قُلْت: مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَمْلُوكِ لَا مِنْ الْمِلْكِ، وَإِنْ شِئْت قُلْت: الْعَقْدُ مُقْتَضٍ لِاسْتِحْقَاقِهَا وَلَكِنْ مَنَعَ مَانِعٌ فَاسْتَثْنَاهَا، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ الْعَقْدُ وَارِدٌ عَلَى الْعَيْنِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَيْنُ عِنْدَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَوْ الْمَنْفَعَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالتَّقْدِيرُ بِالزَّمَانِ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ حَذَرًا مِنْ التَّقَطُّعِ وَالِاسْتِقْبَالِ فَاقْتَضَى مَا قُلْنَاهُ.

وَسَبَبُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ تَارَةً يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فِي السِّلْمِ وَالْأَوْقَاتِ الَّتِي يَضُرُّ الْعَمَلُ فِيهَا بِالْأَجِيرِ كَأَوْقَاتِ النَّوْمِ وَنَحْوِهِ، وَتَارَةً مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ كَأَوْقَاتِ الرَّاحَةِ فِي الْمُسْتَأْجَرِ لِلْخِدْمَةِ فِي الْأَزْمَانِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ وَإِنْ كَانَ لَوْ تَكَلَّفَ الْعَمَلَ لَمْ يَضُرَّهُ وَكَمَا يَنْصَرِفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>