اخْتَلَفَ نَقْلَاهُمَا عَنْهُمْ أَيْضًا فَنَقَلَ الْآمِدِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ الْمُعْتَزِلَةِ جَوَازَ ذَلِكَ وَنَقَلَ الْإِمَامُ مُخَالَفَةَ كَثِيرٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْفَرِيقَيْنِ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ، وَأَمَّا النَّقْلُ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَفْسِهِ وَعَنْ نَصِّ مَذْهَبِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَحَدٌ مِنْهُمَا وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُتَعَرَّضٍ لَهُ فَيَتَصَدَّقُ سَيِّدُنَا بِالنَّظَرِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَكَتَبْت لَهُ الْجَوَابَ فِي يَوْمِهِ: أَمَّا مَسْأَلَةُ إجْمَاعِ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ إجْمَاعًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ: إنَّ مَيْلَ الشَّافِعِيِّ إلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: إنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ: إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى حُكْمِ الْخِلَافِ لَا يَرْتَفِعُ وَهَلْ نَقْلٌ صَرِيحٌ.
فَهَذَا مَا كَانَ مِنْ ذِهْنِ الْمَمْلُوكِ مُحَرَّرًا وَهُوَ مُسْتَنَدِي فِي أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مَا قَالَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ لَكَفَى فِي اعْتِمَادِ ذَلِكَ.
وَفِي ذِهْنِي غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ لَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ لِتَحْرِيرِهَا مِنْهَا قَوْلُهُ - أَعْنِي الشَّافِعِيَّ - فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ إجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَقُلْت لَهُ أَوْ لِبَعْضِهِمْ رَأَيْت قَوْلَك إجْمَاعُهُمْ يَدُلُّ عَلَى إجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُمْ أَتَرَى الِاسْتِدْلَالَ بِالتَّوَهُّمِ عَلَيْهِمْ أَوْلَى بِك أَمْ خَبَرُهُمْ.
فَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ الشَّافِعِيِّ لِمَنْ خَاطَبَهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا إذَا تَقَدَّمَهُ إجْمَاعٌ قَبْلَهُ فَإِنْ نَصَّ ذَلِكَ فَهُوَ نَصٌّ فِي نَفْيِ اعْتِبَارِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الِاخْتِلَافِ.
وَأَطَالَ الشَّافِعِيُّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَمَا يَعْلَمُ سَيِّدِي لَيْسَتْ نَاصَّةً فِي الْغَالِبِ فِي إفَادَةِ الْمَقْصُودِ، وَالنُّقُولُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنْهُ كَافِيَةٌ، وَكَذَلِكَ هُوَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ، وَالْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا ابْنُ خَيْرَانَ وَالْقَفَّالُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْإِمَامُ وَأَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَلَمْ يَنْقُلْ أَبُو إِسْحَاقَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ وَرَدَّ عَلَيْهِ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ الْمُصَنَّفِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ: إنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ نِسْبَةَ ذَلِكَ إلَى أَصْحَابِنَا وَالْخِلَافِ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَاخْتِلَافُ عِبَارَةِ النَّاقِلِينَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ تَارَةً فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute