مِنْ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ جُنُبٌ تَيَمَّمَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْجَنَابَةِ وَيُمْنَعُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْحَدَثِ كَمَا إذَا اغْتَسَلَ ثُمَّ أَحْدَثَ.
وَالصُّورَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُسْتَفْتَى قَدْ تَرِدُ عَلَى الْجُرْجَانِيِّ وَلَكِنَّ مَقْصُودَهُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ وَأَدَّى الْفَرْضَ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ وَقُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ لِلنَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ فَيُبَاحُ لَهُ النَّفَلُ دُونَ الْفَرْضِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَبِيحَ الْفَرْضَ تَيَمَّمَ لَهُ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَاذَّةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
وُضُوءٌ يُبِيحُ النَّفَلَ دُونَ الْفَرْضِ، وَمُحْدِثٌ يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ لِلْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ. وَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ وَعَنْ غَيْرِهِ أَيْضًا إنْ كَانَ جُنُبًا وَالْجِرَاحَةُ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَغَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْجَرِيحِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةً لَزِمَهُ الْوُضُوءُ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ حُكْمَ التَّيَمُّمِ بَاقٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ بِهِ إلَى الْآنَ فَرْضًا قَالَ:
وَكَذَا الْفَرَائِضُ كُلُّهَا يَعْنِي الَّتِي يَتَيَمَّمُ إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ لَهَا ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ إذَا كَانَتْ مِمَّا تَحْتَاجُ إلَى الْوُضُوءِ كَالطَّوَافِ وَلَا يَلْزَمُ التَّيَمُّمُ يَبْقَى حُكْمٌ إذَا كَانَ قَدْ أَدَّى بِهِ ذَلِكَ الْفَرْضَ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَدَّى بِهِ فَرْضًا فَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَيَمُّمٍ آخَرَ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ مِنْ مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ بَيْنَ فَرْضَيْنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْأَذْكَارِ إذَا حُمِلَتْ عَلَى أَنَّهُ أَحْدَثَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَقَبْلَ الْقِرَاءَةِ لَا إشْكَالَ فِيهَا فَلَوْ كَانَ قَدْ قَرَأَ فَالْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ هَلْ تَكُونُ كَالْفَرِيضَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى يَحْتَاجَ فِيهَا إلَى تَيَمُّمٍ آخَرَ أَوْ لِأَنَّهَا كُلَّهَا كَالْفَرْضِ الْوَاحِدِ وَفِي جَعْلِهِ كُلَّ قِرَاءَةٍ فَرْضًا يَحْتَاجُ إلَى إفْرَادِهِ بِتَيَمُّمٍ لِعُسْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ آيَةٍ فَرْضٌ فَكَانَ يَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ لِكُلِّ آيَةٍ بَلْ لِكُلِّ كَلَامٍ مُتَمَيِّزٍ بِنَفْسِهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ دُونَ آيَةٍ أَوْ يَحْتَاجُ إلَى ضَابِطٍ يَضْبِطُ مِقْدَارَ مَا يُعَدُّ فَرِيضَةً مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ كُلَّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ.
وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي هَذَا: إنَّ الْقِرَاءَةَ كَالنَّوَافِلِ فَيَسْتَبِيحُ الْمُتَيَمِّمُ بِهَا مَا شَاءَ وَقَدْ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ اسْتَبَاحَ فِعْلَ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودَ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَاللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ يَعْنِي أَنَّ الصَّلَاةَ فَرْضٌ فَإِذَا تَيَمَّمَ لَهَا لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّيَمُّمِ اسْتَفَادَ جَوَازَهَا وَجَوَازَ كُلِّ مَا ذُكِرَ مَعَهَا لِأَنَّهُ كَنَوَافِلِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ فِيمَا يُغَلِّبُ ظَنَّ الْوَطْءِ كَالْحَائِضِ لَكِنَّ الْقَاضِي حُسَيْنَ قَالَ: إذَا تَيَمَّمَتْ لِغَشَيَانِ الزَّوْجِ فَهُوَ كَالتَّيَمُّمِ لِلْفَرْضِ لِأَنَّ التَّمْكِينَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ إنَّمَا لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِهِ فَرْضًا وَاحِدًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ وَطْأَةٍ وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْهُ وَاسْتَشْكَلَهُ وَهُوَ مَعْذُورٌ فِي اسْتِشْكَالِهِ، وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute