حَسَنٌ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ؛ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ صَحِيحٌ. قُلْت: وَغَايَةُ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُخَالِفُونَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيَّ رَوَيَاهُ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ بِهَذَا فَذَكَرَهُ؛ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي إسْنَادِهِ: هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ. الثَّانِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ وَمَكْحُولٍ، فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ إلَى مَكْحُولٍ لَيْسَ فِيهِ ابْنُ إِسْحَاقَ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا مَنْ فِيهِ مَطْعَنٌ، وَلَفْظُ حَدِيثِهِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ عُبَادَةَ «صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقُرْآنِ فَقَالَ لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدُكُمْ إذَا جَهَرْت بِالْقِرَاءَةِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» .
وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ وَهُوَ الَّذِي قَبْلَهُ يَدْفَعُ جَمِيعَ شُبَهِ الْمُخَالِفِينَ لِوُجُوهٍ مِنْهَا تَصْرِيحُهُ بِالْجَهْرِيَّةِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْجَهْرِيَّةِ فَالسِّرِّيَّةُ أَوْلَى، وَمِنْهَا تَصْرِيحُهُ بِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا وَهُوَ يَدُلُّ فِي هَذَا السِّيَاقِ عَلَى الْقَطْعِ بِدُخُولِ الْمَأْمُومِ فِي ذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّ جَمِيعَ أَدِلَّةِ الْمُخَالِفِينَ إذَا دَلَّتْ عُمُومَاتٌ لَيْسَ فِيهَا قَطُّ نَصٌّ خَاصٌّ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَتْرُكُ الْفَاتِحَةَ فِي جَمِيعِ الرَّكْعَةِ بَلْ هِيَ عَامَّةٌ فِي الْمَقْرُوءِ فِي مَحَلِّهِ وَأَدِلَّتُنَا خَاصَّةٌ فَيُجْمَعُ بَيْنَهَا وَيُجْعَلُ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا " فَهُوَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْعَامَّةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا بِمَا تَقَدَّمَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ لِلْإِمَامِ سَكَتَاتٍ إذَا أَمْكَنَ الْمَأْمُومَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِيهِنَّ كَانَ أَوْلَى لِيَجْمَعَ بَيْنَ الِاسْتِمَاعِ وَالْقِرَاءَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إنَّهُمْ قَدْ أَحْدَثُوا مَا لَمْ يَكُنْ يَصْنَعُونَهُ يَعْنِي مِنْ تَرْكِ هَذِهِ السَّكَتَاتِ فَإِنْ تَهَيَّأَ لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ لِلْإِمَامِ سُكُوتٌ فَلَا يُعَارِضُ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ فَيَبْقَى الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ وَدَلِيلُنَا خَاصٌّ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَأَيْضًا فَإِنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَوَاتِ لِلْوُجُوبِ وَالْأَمْرَ بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ لَيْسَ فِي رُتْبَتِهِ فَلَوْ تَحَقَّقَ التَّعَارُضُ لَكَانَ تَقْدِيمُ مَا اُتُّفِقَ عَلَى وُجُوبِهِ أَوْلَى، هَذَا مَعَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهَا فَقَالَ جَمَاعَةٌ: إنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِهَا الْمَنْعَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ لَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ يَمْتَنِعُ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ أَيْضًا، وَتَهْوِيلُ الْمُخَالِفِ بِمَا قِيلَ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ إنْ صَحَّ لَا يُنَافِي ذَلِكَ.
وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ فَهُوَ عَامٌّ يُحْمَلُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute