مُخَصَّصًا لِلدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِلْمَأْمُومِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَيَبْقَى فِيمَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةَ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ اتَّجَهَ مَذْهَبُ الْمُوجِبِينَ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَسْبُوقِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْقِرَاءَةُ لِلْمَأْمُومِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا مِرْيَةَ فِيهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ نُقِلَ عَنْهُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ مَعًا إلَّا اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فَرُوِيَ عَنْهُ ضِدُّ ذَلِكَ حَتَّى أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ظَانًّا أَنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الْقِرَاءَةِ، وَوَجَدْت أَنَا النَّقْلَ عَنْهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَقَصَدْت أَنْ أُثْبِتَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْآثَارَ فِي ذَلِكَ وَأَذْكُرَ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ الَّذِينَ قَالُوا بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ تَرَكْتُهُ لِمَا أَشَرْت إلَيْهِ أَوَّلًا مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ الرَّاجِحَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ إذَا قَرَأَ أَنْ يَكُونَ قَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ مَعَ صِحَّتِهَا عِنْدَ جَمِيعِهِمْ، إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ كَانَ قَدْ فَعَلَ مُسْتَحَبًّا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَحَرَامًا مُبْطِلًا عِنْدَ الْبَاقِينَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لَوْ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا وَجْهُ الدَّلِيلِ فَكَيْفَ وَقَدْ ظَهَرَ وَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مُعَارِضَ لَهُ أَوْ يُسَاوِيهِ أَوْ يُدَانِيهِ لِمَنْ أَنْصَفَ وَاسْتَعْمَلَ الْأَدِلَّةَ عَلَى قَوَاعِدِ الْعِلْمِ الْمُسْتَقِيمَةِ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ وَيُوَفِّقَنَا لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَيُسَدِّدَ أَقْوَالَنَا وَأَفْعَالَنَا وَيُخْلِصَ نِيَّاتِنَا وَيَرْزُقَنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ بِلَا مِحْنَة وَيَجْمَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَارِ كَرَامَتِهِ وَمَنْ يُحِبُّهُ. كَتَبَهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيُّ فِي يَوْمِ السَّبْتِ ثَالِثَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِمَنْزِلِنَا بِالْمُقْسَمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. .
(فَائِدَةٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ: هِيَ بِالشُّرُوطِ أَشْبَهُ. وَهَذَا لَيْسَ تَصْرِيحًا بِخِلَافٍ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهَا رُكْنٌ يُشْبِهُ الشَّرْطَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ فِي الْعِبَادَةِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ عِبَادَةً بِالنِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ فِيهَا أَمْرَانِ: أَحَدُهَا قَصْدُ النَّاوِي وَالثَّانِي فِي الَّذِي يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ الْقَصْدِ فَذَلِكَ الْأَمْرُ النَّاشِئُ الَّذِي يُكْسِبُ الْفِعْلَ صِفَةَ الْعِبَادَةِ، وَهُوَ كَوْنُ الْفِعْلِ وَاقِعًا عَلَى وَجْهِ الِامْتِثَالِ هُوَ رُكْنٌ بِلَا شَكٍّ وَهُوَ مَعَ الْفِعْلِ كَالرُّوحِ مَعَ الْبَدَنِ قَصْدُ النَّاوِي إلَى ذَلِكَ خَارِجٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى الشَّيْءِ عَيْنُ الشَّيْءِ فَمِنْ هُنَا أَشْبَهَ الشَّرْطَ وَلِهَذَا اشْتَبَهَ الْأَمْرُ فِي كَوْنِهَا رُكْنًا أَوْ شَرْطًا وَصَحَّ أَنْ يُقَالَ هِيَ رُكْنٌ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ لِلْفِعْلِ الْمُسَاوِي لَهُ الْمُصَاحِبِ لَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ رُوحُهُ وَقِوَامُهُ، وَصَحَّ أَنْ يُقَالَ شَرَطَ لِذَلِكَ الْقَصْدَ الْقَائِمَ بِذَاتِ النَّاوِي فَهُمَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا قَائِمٌ بِذَاتِ النَّاوِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute