للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ السُّلْطَانَ يَقُولُ السَّابِقَةُ صَحِيحَةٌ، وَمَنْ يَشْتَرِطُهُ يَقُولُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي هُوَ مَعَهَا وَأَمَّا الْجَوَازُ فَإِذَا قَصَدَ التَّعَدُّدَ حَيْثُ الْحَاجَةُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْجَوَازِ حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاجَ إلَى إذْنِ السُّلْطَانِ قَطْعًا لِأَنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ حَيْثُ قُلْنَاهَا السُّلْطَانُ.

فَالْمُرَادُ بِهِ السُّلْطَانُ أَوْ الْأَمِيرُ الَّذِي هُوَ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا كَانَ قَاضِيًا عَامًّا يَنْظُرُ فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقُومُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ هُنَا خَشْيَةُ فِتْنَةٍ وَنِيَابَةُ السَّلْطَنَةِ هِيَ الْمُسْتَقِلَّةُ بِذَلِكَ وَالْقَاضِي إنَّمَا يَتَكَلَّمُ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ وَفَصْلِ الْمُحَاكَمَاتِ وَكَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ جَعَلُوا الْقَاضِيَ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ مِثْلَ السُّلْطَانِ وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِاخْتِلَافِ الَّذِي يَقْتَضِي التَّقْدِيمَ فِيهِ إلَى فِتْنَةٍ، وَتَسْكِينُ الْفِتَنِ إلَى السُّلْطَانِ لَا إلَى الْقَاضِي.

وَهَذَا فِي قَاضٍ لَمْ يَنُصَّ لَهُ عُرْفًا وَلَا لَفْظًا عَلَى ذَلِكَ، أَمَّا إذَا نَصَّ لَهُ الْإِمَامُ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ شَيْءٌ اسْتِفَادَةً بِالْوِلَايَةِ مِثْلَ شَيْءٍ يَشْتَرِطُ نَظِيرَهُ لِلْقَاضِي وَنَحْوِهِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَرَى ذَلِكَ جَائِزًا فِي مَذْهَبِهِ. وَالثَّانِي أَنْ يَرَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ يَعُودُ نَفْعُهَا عَلَى عُمُومِهِمْ وَمَتَى لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ ذَلِكَ لَا يَأْذَنْ.

وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ هُنَا أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْقُضَاةِ لَا تَدْخُلُ فِي الْعِبَادَاتِ أُمُورٌ بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْنَ عِبَادِهِ وَالْحُكْمُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مَحْكُومٍ لَهُ وَمَحْكُومٍ عَلَيْهِ وَإِلْزَامٍ وَفَصْلٍ وَذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ الَّتِي بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ لَا يُتَصَوَّرُ نَعَمْ قَدْ يُعَلِّقُ الشَّخْصُ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا عَلَى صِحَّةِ عِبَادَةٍ أَوْ فَسَادِهَا فَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِوُقُوعِ ذَلِكَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِنَاءً عَلَى مَا يَرَاهُ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَبَبُهُ وَاسْتُجْمِعَتْ شُرُوطُ الْحُكْمِ وَأَمَّا أَنَّهُ يَحْكُمُ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا جَاهِلٌ.

(فَصْلٌ) خَرَجَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَمِنْ اخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ مَسَائِلُ:

(إحْدَاهَا) : مِصْرٌ أَذِنَ السُّلْطَانُ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيهِ فَأُقِيمَتْ فِيهِ جُمُعَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ تَتَعَدَّدْ فِيهِ وَلَا فِي الْأَبْنِيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ الَّتِي إذَا فَارَقَهَا الْمُسَافِرُ قَصَرَ الصَّلَاةَ فَهَذِهِ جُمُعَةٌ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَبِحَمْدِ اللَّهِ الْمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ الْمُعَظَّمَةُ الْيَوْمَ كَذَلِكَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُدُنِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) : مِصْرٌ أُقِيمَتْ فِيهِ جُمُعَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الشُّرُوطِ وَلَكِنْ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) : قَرْيَةٌ أُقِيمَتْ فِيهَا الْجُمُعَةُ كَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>