إزَالَتِهِ جُهْدَهُ وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوهَاتُ وَمَتَى كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَهُوَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ تَمْكِينِ كُلِّ حَدٍّ مِنْهُ وَعَدَمِ مَنْعِ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِمُسْتَنَدٍ وَيَرْجِعُ إلَى عَقْلِهِ وَدِينِهِ وَمَا يَفْهَمُهُ مِنْ الشَّرْعِ وَمِمَّنْ يَثِقُ فِي دِينِهِ؛ وَلَا يُقَلِّدُ فِي ذَلِكَ مَنْ يَخْشَى جَهْلَهُ أَوْ تَهَوُّرَهُ أَوْ هَوَاهُ أَوْ دَسَائِسَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ أَوْ بِدْعَةً تَخْرُجُ فِي صُورَةِ السُّنَّةِ يَلْبِسُ عَلَيْهِ فِيهَا كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمُبْتَدِعِينَ وَذَلِكَ أَضَرُّ شَيْءٍ فِي الدِّينِ وَقَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى النَّاظِرِ فِي ذَلِكَ التَّثْبِيتُ وَعَدَمُ التَّسَرُّعِ حَتَّى يَتَّضِحَ بِنُورِ الْيَقِينِ مَا يَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرُهُ وَيَبِينُ أَمْرُهُ وَلَيْسَ مَا فُوِّضَ إلَى الْأَئِمَّةِ لِيَأْمُرُوا فِيهِ بِشَهْوَتِهِمْ أَوْ بِبَادِئِ الرَّأْيِ أَوْ بِتَقْلِيدِ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِمْ وَالسَّمَاعِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَإِنَّمَا فُوِّضَ إلَيْهِمْ لِيَجْتَهِدُوا وَيَفْعَلُوا مَا فِيهِ صَلَاحُ الرَّعِيَّةِ بِصَوَابِ الْفِعْلِ الصَّالِحِ وَإِخْلَاصِ النَّاسِ وَحَمْلِ النَّاسِ عَلَى الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَهَيْهَاتَ يَنْجُو رَأْسٌ بِرَأْسٍ فَإِنَّهُ مُتَصَرِّفٌ لِغَيْرِهِ مَأْسُورٌ بِأَسْرِهِ وَاَللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.
قَالَ سَيِّدُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَاضِي الْقُضَاةِ الْخَطِيبُ فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ تَاجُ الدِّينِ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَلَدُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِلشَّيْخِ الْإِمَامِ مُصَنَّفَاتٌ فِي مَنْعِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ مُسْتَقِلَّةً (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْوَاحِدِ الْأَحَدِ مِنْ إقَامَة جُمُعَتَيْنِ فِي بَلَدٍ) وَهُوَ هَذَا، وَكِتَابُ (ذَمُّ السَّمَعَةِ فِي مَنْعِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ) وَهُوَ مَبْسُوطٌ.
وَكِتَابُ (تَعَدُّدُ الْجُمُعَةِ وَهَلْ فِيهِ مُتَّسَعٌ) وَهُوَ أَيْضًا مَبْسُوطٌ، وَكِتَابُ (الْقَوْلُ الْمُتَّبَعُ فِي مَنْعِ تَعَدُّدِ الْجُمَعِ) وَهُوَ أَخْصَرُهَا وَكِتَابٌ خَامِسٌ فِي الْمَنْعِ أَيْضًا. اتَّفَقَتْ كُتُبُهُ كُلُّهَا وَكُلُّهَا مُصَنَّفٌ فِي شُهُورِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ عَلَى مَنْعِ التَّعَدُّدِ وَدَعْوَى أَنَّهُ حَيْثُ لَا حَاجَةَ مَعْلُومِ التَّحْرِيمِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَحَيْثُ حَاجَةُ مَمْنُوعٍ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْمَذَاهِبِ عِنْدَهُ، وَيُومِئُ إلَى إجْمَاعٍ سَابِقٍ فِيهِ تَعَذَّرَ الْمُخَالِفُ فِيهِ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ إيَّاهُ.
هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ. وَقَدْ اقْتَصَرْنَا فِي الْفَتَاوَى عَلَى ذِكْرِ هَذَا الْمُصَنَّفِ الْمُتَوَسِّطِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى خُلَاصَةِ كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَبَحَثْت مَعَ كَثِيرٍ مِنْ حَنَفِيَّةِ هَذَا الْعَصْرِ فَوَجَدْت فِي أَذْهَانِ أَكْثَرِهِمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِ التَّعَدُّدِ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَقَدْ فَحَصْت وَنَقَّبْت الْكَثِيرَ فِي كُتُبِهِمْ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِجَوَازِ التَّعَدُّدِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ بَلْ بَعْضُهُمْ أَطْلَقَ عَنْهُ جَوَازَ التَّعَدُّدِ وَبَعْضُهُمْ قَيَّدَ بِالْحَاجَةِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَاجَةِ مَوْجُودٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِهِمْ مِنْهَا الْمُحِيطُ وَمِنْهَا شَرْحُ الْمُخْتَارِ لِمُصَنِّفِهِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ كُتُبِهِمْ وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ مُتَأَخِّرِيهِمْ فِي النَّقْلِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ كَالظُّهْرِ، وَتَشْبِيهُهُ إيَّاهَا بِالظُّهْرِ مُشْكِلٌ تَوَهَّمَ بَعْضُ مَنْ بَحَثْت مَعَهُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ كَالظُّهْرِ فَقُلْت لَهُ: يَلْزَمُك جَوَازُ جُمُعَتَيْنِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute