للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الصَّبِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ الْعُقَلَاءُ لِيَخْتَصَّ بِالْمُمَيِّزِ أَوْ يُقَالَ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى أَنَّ الْخِطَابَ شَرْطُهُ الْفَهْمُ لَمْ يَدْخُلْ الْمَجْنُونُ وَلَا الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَيَدْخُلُ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ لِفَهْمِهِ وَالصَّلَاةُ مُمْكِنَةٌ مَعَهُ وَإِنَّمَا تَمْتَنِعُ فِي حَقِّهِ لِلتَّكْلِيفِ فَالْوُجُوبُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْكُلْفَةِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» وَيَثْبُتُ النَّدْبُ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ الْكُلْفَةِ أَوْ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ لَا وُجُوبٌ وَلَا نَدْبٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ «رُفِعَ الْقَلَمُ» وَهُوَ بَعِيدٌ وَرُفِعَ الْقَلَمُ كِنَايَةٌ عَنْ رَفْعِ التَّكْلِيفِ لَا عَنْ رَفْعِ كُلِّ حُكْمٍ. فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ تَقُولُونَ: إنَّ أَمْرَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بِالصَّلَاةِ أَمْرُ نَدْبٍ أَمْ أَمْرُ وُجُوبٍ إنْ كَانَ أَمْرَ نَدْبٍ فَلَمْ نَجِدْ مَنْدُوبًا يُضْرَبُ عَلَيْهِ وَيُلْزَمُ إذَا نَوَى بِصَلَاتِهِ النَّدْبَ تَصِحُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَمْرَ إيجَابٍ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْإِيجَابُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ؟ قُلْت: بَلْ أَمْرُ إيجَابٍ وَأَمْرُ الْإِيجَابِ الْمُرَادُ مِنْهُ الْأَمْرُ الْجَازِمُ بِالْأَمْرِ الْجَازِمِ فِي الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ وَلَكِنَّ الْوُجُوبَ يَخْتَلِفُ فِي الصَّبِيِّ بِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مُمَيِّزًا بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ فَهْمِ الْخِطَابِ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَرُخْصَةٌ بِقَوْلِهِ «رُفِعَ الْقَلَمُ» فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَكُونُ إيجَابٌ وَلَا وُجُوبَ.

قُلْتُ: إذَا عَنَى بِالْإِيجَابِ الْأَمْرَ الْجَازِمَ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَوْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يَأْثَمُ بِهِ لِفَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْتَ: أَنْتُمْ تُرِيدُونَ بِالْجَازِمِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ ضِدِّهِ. قُلْتُ: نَحْنُ لَا نَلْتَزِمُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأُصُولِيُّونَ قَالُوهُ بَلْ الْجَزْمُ عِنْدَنَا عِبَارَةٌ عَنْ صِفَةِ الطَّلَبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى رُتْبَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَالصَّلَاةِ وَلَكِنَّهَا أَعْنِي الْفَرْضَ مِنْهَا عَظِيمَةٌ بِحَيْثُ إنَّهُ لَا رُخْصَةَ فِيهَا، وَالْمَنْدُوبُ فِيهِ رُخْصَةٌ مِنْ حَيْثُ انْحِطَاطُ رُتْبَتِهِ عَنْ رُتْبَةِ الْفَرْضِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ سَوَاءٌ، وَالشَّخْصُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ الْأَمْرُ يُعْتَبَرُ فِيهِ أُمُورٌ إنْ وُجِدَتْ تَرَتَّبَ مُقْتَضَاهُ كَالْوُجُوبِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْإِيجَابِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ تَخَلَّفَ ذَلِكَ الْمُقْتَضَى مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ أَرْشَدَنَا الشَّارِعُ إلَيْهَا. وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَسْتَبْعِدْهُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الَّذِي اقْتَضَتْ رُخْصَةُ اللَّهِ رَفْعَ الْقَلَمِ عَنْهُ حَتَّى يَبْلُغَ، أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ خِطَابٌ أَصْلًا لَكِنْ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّهِ بِمَعْنًى آخَرَ سَنُبَيِّنُهُ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ. فَإِنْ قُلْتَ: الْوُجُوبُ مَعَ عَدَمِ الْفَهْمِ لَا يُعْقَلُ. قُلْتُ: الْوُجُوبُ بِمَعْنَى التَّرَتُّبِ فِي الذِّمَّةِ كَمَا يُقَالُ: الدَّيْنُ وَاجِبٌ مَعْقُولٌ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فَالْوَلِيُّ يَشْتَرِي لِلصَّبِيِّ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ فَهَذَا دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الصَّبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ وَوَاجِبٌ وَالزَّكَاةُ كَذَلِكَ. فَإِنْ قُلْتَ: فَقَدْ جَعَلْتُمْ الصَّبِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>