للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَأَى أَنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ يَتَمَحَّضُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهُ يَحْصُلُ عِنْدَهُ وَقْفَةٌ فِي الصَّبِيِّ الْمُتَوَقِّفِ فِي كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَفِي كَوْنِ الْعِبَادَةِ تَقْبَلُ النِّيَابَةَ فَأَبُو حَنِيفَةَ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَاشْتَرَطَ الزَّكَاةَ عَنْ الصَّبِيِّ وَغَيْرِهِ قَرَّرَ أَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ تَقْبَلُ النِّيَابَةَ فَأَثْبَتَهَا. فَإِنْ قُلْتَ: فَالْعِبَادَةُ إنَّمَا هِيَ فِعْلُ الْعَبْدِ. قُلْتُ: لَا بَلْ الْعِبَادَةُ هِيَ الْحَقُّ وَفِعْلُ الْعَبْدِ تَأْدِيَةٌ لَهُ فَإِنْ قُبِلَتْ النِّيَابَةُ نَابَ عَنْهُ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَالْحَقُّ قَدْ يَكُونُ مَالًا وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَهُ وَالْمَالُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ وَغَيْرُهُ قَدْ يَقْبَلُ كَالْحَجِّ وَقَدْ لَا يَقْبَلُ كَالصَّلَاةِ. فَإِنْ قُلْتَ: لَخِّصْ لِي الْآنَ مَنْشَأَ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ.

قُلْتُ: مَنْشَؤُهُ مَا ذَكَرْت فِي كَوْنِهَا عِبَادَةً وَفِي كَوْنِ الصَّبِيِّ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الزَّكَاةُ وَجَبَتْ عَادَةً ابْتَلَى اللَّهُ عِبَادَهُ بِهَا لِتَنْقِيصِ الْمَالِ كَمَا ابْتَلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ بِإِتْعَابِ الْبَدَنِ شُكْرًا لِنِعْمَتِهِ بِالْبَدَنِ وَبِالْمَالِ، وَالْعَادَةُ فِي الزَّكَاةِ إنَّمَا هِيَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَهِيَ إخْرَاجُ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ الْبَالِغُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهَا فَتَوْكِيلُهُ هُوَ التَّنْقِيصُ الْمُبْتَلَى بِهِ وَمِثْلُهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الصَّبِيِّ لَا تَثْبُتُ الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ بَلْ فِي الْعَيْنِ لِحَقِّ اللَّهِ فِي الْعَيْنِ وَحَالُ الْفَقِيرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

وَلَا مَعْنَى لِلتَّعَلُّقِ بِالْعَيْنِ عِنْدَهُمْ إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ مَأْمُورٌ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَقُولُونَ بِشَيْءٍ آخَرَ وَلِأَجْلِ التَّعَلُّقِ بِالْعَيْنِ لَا بِالذِّمَّةِ إذَا تَلِفَ النِّصَابُ بَعْدَ التَّمْكِينِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مُتَعَلَّقَانِ الذِّمَّةُ وَالْعَيْنُ فَلَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمْكِينِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ بِالضَّمَانِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ الْوُجُوبِ قَبْلَ التَّمْكِينِ وَلَوْ أَتْلَفَهُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ أَجَازَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْغَزَالِيُّ الْأَوَّلُ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَإِذَا مَاتَ لَا يَجِبُ إخْرَاجُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَهُمْ كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ عِنْدَهُمْ عَلَى التَّرَاخِي وَلَا مَعْنَى لِلزَّكَاةِ عِنْدَهُمْ إلَّا خِطَابُ الْأَدَاءِ، وَعِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ فَرْقٌ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ فَأَصْحَابُنَا اسْتَعْمَلُوهُ رَهْنًا وَجَعَلُوهُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الذِّمَّةِ وَوُجُوبُ أَدَائِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا إلَّا وُجُوبَ الْأَدَاءِ.

وَنَشَأَ النِّزَاعُ فِي قَوْلِنَا الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ فَهْمِ مَعْنَى الزَّكَاةِ فَهْمَ مَعْنَى الْوُجُوبِ وَفَهْمَ حَالِ الصَّبِيِّ وَأَهْلِيَّتِهِ كَذَلِكَ، وَأَوْرَدَ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ: إنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِهَا لَأُخْرِجَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ وَأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يُعْقَلُ إلَّا فِي الذِّمَّةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَالسُّقُوطِ بِمَوْتِهِ لِزَوَالِ ذِمَّتِهِ وَلَا مُتَعَلَّقَ لِلْأَرْشِ غَيْرُهَا، وَأَوْرَدَ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ بِوُجُوبِ الْعُشْرِ فِيمَا أَخْرَجَتْهُ أَرْضُ الصَّبِيِّ وَاعْتَذَرُوا بِأَنَّ هَذَا وَاجِبُ الْأَرْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَهُمْ وَالزَّكَاةُ وَاجِبُ الْمَالِ؛ وَأَوْرَدَ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ أَيْضًا قَوْلَهُمْ بِوُجُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>