للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمَنْهِيَّاتِ.

(الثَّالِثُ) : شُكْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا أَيْضًا عَامٌّ فِي جَمِيعِ التَّكَالِيفِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْعَمَ عَلَى الْعِبَادِ بِالْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ شُكْرُ تِلْكَ النِّعَمِ فَكُلُّ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَبَعْضُ بَعْضِ شُكْرِ تِلْكَ النِّعَمِ شُكْرُ نِعْمَةِ الْبَدَنِ وَشُكْرُ نِعْمَةِ الْمَالِ لَكِنْ قَدْ نَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ شُكْرٌ بَدَنِيٌّ وَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ شُكْرٌ مَالِيٌّ وَقَدْ نَتَرَدَّدُ فِيهِ وَمِنْهُ الزَّكَاةُ.

(الرَّابِعُ) : وَبِهِ بَيَانٌ ذَلِكَ مُوَاسَاةٌ لِلْفُقَرَاءِ وَسَدُّ خَلَّتِهِمْ وَلَا نُنْكِرُ أَنَّهَا تَحْصُلُ بِالزَّكَاةِ فَإِنْ كَانَتْ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ لِشَرْعِهِ فَرْضَ الزَّكَاةِ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ تَرَجَّحَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِلَّا فَيُرَجَّحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا تَقُولُونَ إذَا قُلْتُمْ: إنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ؟

قُلْتُ: وَلَوْ قُلْنَا بِذَلِكَ وَلَكِنَّ طَرِيقَهَا أَدَاءُ الْمَالِ فَيَقُومُ الْوَلِيُّ مَقَامَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مَا قَدَّمْنَا لِلْإِشَارَةِ مِنْ أَنَّ الْعِبَادَةَ الْمَحْضَةَ الْحَقُّ الْمُؤَدَّى بِالْفِعْلِ لَا نَفْسُ الْفِعْلِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ فَالْمُؤَدَّى الْمَأْمُورُ بِهِ وَهُوَ الْمَفْعُولُ وَفِعْلُ الْعَبْدِ حَرَكَتُهُ وَسُكُونُهُ شَيْءٌ آخَرُ وَإِذَا كَانَ طَرِيقُهَا أَدَاءَ الْمَالِ لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوَلِيِّ لِلْأَكْثَرِ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا احْتَاجَ إلَى شِرَاءِ مَاءٍ لِطَهَارَتِهِ أَوْ صَوْمِهِ أَوْ غُسْلِهِ إذَا أَوْلَجَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَهُوَ مُمَيِّزٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْغُسْلِ وَتَصِحُّ نِيَّتُهُ وَيَشْتَرِي لَهُ الْمَاءَ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الْوَاجِبَيْنِ أَوْ شِرَاءِ ثَوْبٍ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ أَوْ إلَى أُجْرَةِ مَنْ يُعَلِّمُهُ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ وَشُرُوطَهَا وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ.

وَالصَّلَاةُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَقَدْ وَجَبَ التَّوَصُّلُ إلَيْهَا بِمَالِهِ وَإِذَا طَلَبَتْ الصَّبِيَّةُ الدُّخُولَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَقَدْ تَحْتَاجُ لِأَجْلِ ذَلِكَ إلَى إخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا بِسَبَبِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ ذَلِكَ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ تَعَلُّقَ الْعِبَادَاتِ بِالصَّبِيِّ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَكَيْفَ لَا وَلَوْ زُوِّجَتْ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ. وَالثَّانِي إخْرَاجُ الْمَالِ فِي طَرِيقِ الْعِبَادَةِ. فَإِنْ قُلْتَ: لَوْ لَمْ تَكُنْ الزَّكَاةُ عِبَادَةً لَمَا وَجَبَتْ النِّيَّةُ فِيهَا.

قُلْتُ: النِّيَّةُ تَجِبُ فِي أَدَاءِ الدُّيُونِ لِلتَّمْيِيزِ وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ بِالْعِبَادَةِ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ فِي الزَّكَاةِ تَكْفِي بِاللِّسَانِ دُونَ الْقَلْبِ وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِهِ صُحِّحَ خِلَافُهُ وَذَكَرُوا فِي مُسْتَنَدِ النَّصِّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ الزَّكَاةِ لَيْسَتْ عِبَادَةً مَحْضَةً وَإِنَّمَا مُلْحَقَةٌ بِالنَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ. فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ عِنْدِي شَيْءٌ آخَرُ؟

قُلْتُ: نَعَمْ وَهُوَ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلصَّبِيِّ بِالصَّلَاةِ وَذَلِكَ لِيَتَمَرَّنَ عَلَيْهَا وَيُدْمِنَ عَلَيْهَا فَلَا تَشُقُّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الزَّكَاةِ لِتَتَوَطَّنَ نَفْسُهُ عَلَى إخْرَاجِ بَعْضِ مَالِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَهَذَا قِيَاسٌ عَلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ فَهَلْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ لِلْحَجْرِ عَلَيْهَا فِي الْمَالِ فَيَقُومُ الْوَلِيُّ مَقَامَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>