صَحِيحٍ فَكَانَتْ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ مُلْغَاةً، وَأَمَّا مُجَرَّدُ كَوْنِهِ يُنَاوِلُ الْفَقِيرَ وَالنِّيَّةُ مِنْ الْوَلِيِّ مَحْصُورَةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ وَيَحْصُلُ بِهِ جَبْرُ الصَّبِيِّ فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ مُنَاوَلَةَ الْفَقِيرِ تَقِي فِتْنَةَ السُّوءِ، وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ مَطْلُوبًا فَالصَّبِيُّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ.
وَلَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ أَمَرَ الصَّبِيَّ بِالدَّفْعِ وَلَمْ يَبْرَأْ الْوَلِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَمَا لَوْ نَوَى بِلَفْظِهِ وَلَمْ يَنْوِ بِقَلْبِهِ فَيَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي أَنَّهُ يَكْفِي أَوْ لَا. فَإِنْ قُلْتَ: النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَا رُتْبَتُهَا عِنْدَك فَإِنَّ الْمَسَائِلَ مِنْهَا يُقَوَّى وَمِنْهَا يُضَعَّفُ.
قُلْتُ: كُنْت قَبْلَ نَظَرِي الْآنَ لِعَدَمِ نَصٍّ وَارِدٍ فِيهَا بِخُصُوصِهَا أَرَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهَا مُتَمَاسِكٌ وَالْآنَ أَرَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ قَوِيٌّ جِدًّا إلَى غَايَةِ مَا يَكُونُ. فَإِنْ قُلْتُ: مَا دَعَاك فِي ثَبَتِ الْكَلَامِ فِيهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ. قُلْتُ: لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ دَلِيلًا وَاحِدًا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِيهَا لَا مِنْ جَانِبِنَا وَلَا مِنْ جَانِبِهِمْ لِمَا بَانَ لَك مِنْ الْكَلَامِ، وَالتَّمَسُّكُ مِنْ جِهَتِهِمْ ضَعْفٌ بِمَرَّةٍ وَالتَّمَسُّكُ مِنْ جِهَتِنَا قَوِيٌّ بِمَجْمُوعِ أُمُورِ عُمُومِ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَعْلِيقِهَا بِالْمَالِ لَا بِالْمِلْكِ وَاسْتِمْرَارِ عَمَلِ السُّعَاةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَنَاوُلِهِمْ تَخْصِيصًا وَفَهْمِ الْمَعْنَى فِي سَدِّ خَلَّةِ الْمَسَاكِينِ وَظُهُورِ الطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ وَالْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ وَالْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْقِيَاسِ.
وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ يُحَصِّلُ الْقَطْعَ بِالْوُجُوبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهَا. فَإِنْ قُلْتَ: كُلُّ وَاحِدٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحِلٍّ فَمَا مَحِلُّ وُجُوبِ الزَّكَاةِ؟ قُلْتُ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَحِلُّهُ الْمَالُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَحِلُّهُ بَدَنُ الْمَالِكِ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ عِنْدَهُ بِالْأَدِلَّةِ فَقَطْ وَالْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ مَحِلُّهَا الْبَدَنُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَلِهَذَا إذَا مَاتَ سَقَطَتْ لِفَوَاتِ مَحِلِّهَا.
فَإِنْ قُلْتَ هَلْ: تُطْلِقُونَ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهَا عَلَى الصَّبِيِّ؟ قُلْتُ: جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَطْلَقُوهُ فَاقْتَضَاهُ رَأْيَانِ صَحِيحَانِ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ وَوُجُوبُهَا فِي مَالِهِ، وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ قَالَ لَا يُقَالُ إلَّا إنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي مَالِهِ وَلَا يُقَالُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَغَلَّطَهُ الرُّويَانِيُّ. وَأَمَّا وُجُوبُ الْأَدَاءِ فَعَلَى الْوَلِيِّ بِلَا إشْكَالٍ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُثَابُ الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ؟
قُلْت الثَّوَابُ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ رُتِّبَ عَلَى سَبَبٍ وَالسَّبَبُ هُنَا نُقْصَانُ مَالِهِ، وَقَدْ «رُفِعَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيٌّ فَقِيلَ لَهُ: أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ» ، وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ لَهُ حَجٌّ إلَّا أَنَّهُ لَهُ أَجْرٌ وَهُوَ عَلَى حُضُورِهِ الْمُسَاعَدَةَ وَإِحْرَامِ وَلِيِّهِ عَنْهُ، وَقَدْ يَحْصُلُ لِبَدَنِهِ مِنْ الصَّحَا وَالْكَلَالِ مَا يَكُونُ الثَّوَابُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَالْكُلُّ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَافِي السُّبْكِيُّ فِي بَعْضِ يَوْمِ السَّبْتِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ بِظَاهِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute