فَصْلٌ فِي الثُّبُوتِ) قَدْ قُلْنَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي الشُّهُودِ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمْ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يُلْزِمْ الْعَامَّةَ حُكْمَ تِلْكَ الشَّهَادَةِ، وَالْقَاضِي الَّذِي أَثْبَتَ ذَلِكَ ظَنَّ أَنَّ التَّزْكِيَةَ كَافِيَةٌ فَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ يَثْبُتُ إلَّا بِثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ وَشَهَادَتِهِمْ، وَقَدْ بَقِيَ وَرَاءَ هَذَا أُمُورٌ أُخْرَى مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا ثُبُوتُ الشَّهْرِ فِي نَفْسِهِ تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ.
(فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي بِهِ) مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الِالْتِزَامُ وَإِنَّهُ يَسْتَدْعِي مَحْكُومًا عَلَيْهِ وَمَحْكُومًا لَهُ، وَهُوَ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى وَسُؤَالِ الْحُكْمِ، وَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ حَسْبُهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي بِهَا نَظَرٌ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ هَلْ يُطَالِبُ بِالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ هَذَا مَعَ مَا فِيهَا مِنْ نَفْعِ الْمَسَاكِينِ فَمَا ظَنُّك بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يُثْبِتُ الشَّهْرَ فَقَطْ أَمَّا يَحْكُمُ بِهِ فَلَا لَكِنْ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى الثُّبُوتِ حَقٌّ وَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى حُكْمٍ بِهِ يَحْكُمُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ بِشُرُوطِهِ مُسْتَنِدًا إلَى ذَلِكَ الثُّبُوتِ.
(فَصْلٌ فِي التَّنْفِيذِ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الْحُكْمُ لَمْ يَصِحَّ التَّنْفِيذُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَنْفِيذَ الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الثُّبُوتَ حُكْمٌ أَوْ لَا فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا أَنَّهُ حُكْمٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ حُكْمٌ بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ وَلَيْسَ بِحُكْمٍ بِالْمَشْهُودِ بِهِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إذَا أَثْبَتَهُ مَنْ يَرَاهُ فَمَنْ يَجْعَلُهُ حُكْمًا يَمْنَعُ نَقْضَهُ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ حُكْمًا يُجَوِّزُ لِمَنْ لَا يَرَاهُ نَقْضَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلْته حُكْمًا بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ وَلَيْسَ حُكْمًا بِالْمَشْهُورِ بِهِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةٌ فِي الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ بِهِ إذَا أَثْبَتَهُ مَنْ يَرَاهُ أَيْضًا فِي نَقْلِهِ فِي الْبَلَدِ الصَّحِيحِ مَنْعَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ بِجَوَازِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي لِمَا اخْتَرْتُهُ. وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ لِي أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ لِي وَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ مَنْقُولًا فِي الرُّجُوعِ إذَا رَجَعَ الشَّاهِدَانِ بَعْدَ إثْبَاتِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ. فَإِنْ قُلْنَا: الْإِثْبَاتُ لَيْسَ بِحُكْمٍ أَصْلًا فَيُبْطِلُ الشَّهَادَةَ كَمَا لَوْ رَجَعَا بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الثُّبُوتِ، وَإِنْ قُلْنَا حُكْمٌ بِالْحَقِّ فَكَمَا لَوْ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ، وَإِنْ قُلْت بِالْمُخْتَارِ عِنْدِي فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ وَيَكُونُ كَالرُّكُوعِ بَعْدَ الْحُكْمِ.
(فَصْلٌ فِي شَرْحِ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ»
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْقَائِلِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute