قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنْشَدَنَا الْفَقِيهُ الْعَالِمُ الْفَاضِلُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ شَيْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد التِّرْمِذِيُّ الْجُهَنِيُّ لِنَفْسِهِ:
يَا أَيُّهَا الْحَبْرُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ ... رَدْعُ الْعِدَى بِبَرَاعَةٍ وَلِسَانِهِ
بَيِّنْ لَنَا نَهْجَ الصَّوَابِ وَسِيلَةً ... لَا زَالَ عِلْمُك يُهْتَدَى بِبَيَانِهِ
فِي صَائِمٍ يَا صَاحَ قَبَّلَ زَوْجَهُ ... قَبْلَ انْتِهَاءِ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانِهِ
فَرَأَى الْمَنِيَّ مِنْ الْعَبَالَةِ هَلْ لَهُ ... صَوْمٌ أَمْ الْفُتْيَا عَلَى بُطْلَانِهِ
هَلْ تُوجِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ كَفَّارَةٍ ... أَمْ لَا وَهَلْ يُقْضَى عَلَى إتْيَانِهِ
تَمَّ السُّؤَالُ أَجِبْ جَوَابًا شَافِيًا ... مِمَّا حَبَاك اللَّهُ مِنْ إحْسَانِهِ
هَذَا سُؤَالُ التِّرْمِذِيِّ مُحَمَّدٍ ... الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ بِشَانِهِ
فَأَجَبْت فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ:
يَا فَاضِلًا نَظْمَ السُّؤَالِ مُحَبِّرًا ... عَنْ شَأْنِ مَنْ قَدْ لَحَّ فِي عُدْوَانِهِ
لَمَّا تَجَرَّأَ جَاهِلٌ لِصِيَامِهِ ... مِنْ غَيْرِ تَعْظِيمٍ لِحُرْمَةِ شَانِهِ
يَقْضِي وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ كَفَّارَةٍ ... وَالْقَطْعُ مَحْتُومٌ عَلَى عِصْيَانِهِ
يَا وَيْلَهُ مِنْ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ ... وَعَذَابِهِ فِيهَا وَعِظَمِ هَوَانِهِ
دَعْهُ يَتُوبُ لَعَلَّ يُغْفَرُ مَا جَنَى ... مُتَضَرِّعًا لِلَّهِ فِي غُفْرَانِهِ
هَذَا جَوَابٌ عَلَى السُّبْكِيّ عَنْ ... فَضْلٍ حَبَاهُ اللَّهُ مِنْ إحْسَانِهِ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مَا يَقُولُهُ الصُّوفِيَّةُ إنَّ الْأَوْلَى لِلسَّالِكِ مُلَازَمَةُ ذِكْرٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَنْفَتِحَ قَلْبُهُ وَيَجْتَمِعَ وَلَا يَتَفَرَّقَ. هُوَ عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى الضَّعِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْأَشْيَاءَ الْكَثِيرَةَ فَيُرَبَّى كَمَا يُرَبَّى الطِّفْلُ وَكَمَا يُعَلَّمُ الصَّبِيُّ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ شَيْئًا فَشَيْئًا وَالْأَسْهَلَ فَالْأَسْهَلَ، فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْمَشَايِخِ وَصَنِيعُهُمْ، وَلَا نَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَالْكَامِلُونَ الْأَقْوِيَاءُ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّحَابَةِ وَكَثِيرٍ مِمَّنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ تَقْوَى قُلُوبُهُمْ عَلَى الْمَعَارِفِ الْكَثِيرَةِ لَيْسُوا كَذَلِكَ وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ أَلْفٍ مِنْ مِثْلِ هَذَا السَّالِكِ الْمُقْتَصِرِ عَلَى ذِكْرٍ وَاحِدٍ، لِذَلِكَ أَقُولُ فِي مَقَامِ الْفَنَاءِ الَّذِي يُعَظِّمُهُ الصُّوفِيَّةُ وَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ أَعْلَى الْأَحْوَالِ وَأَنَّهُ رُبَّمَا يُسْلَبُ التَّكْلِيفُ فَأَقُولُ إنَّمَا فِي الضَّعِيفِ الَّذِي تَبْهَرُ لُبَّهُ صِفَاتُ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ أَضْعَافَ ذَلِكَ فَيَغِيبُ عَنْ نَفْسِهِ. وَالْكَامِلُونَ يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ شُهُودِ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْكَمَالِ وَالْجَمَالِ أَضْعَافُ ذَلِكَ وَيَحْصُلُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ اللَّذَّةِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْحَالِ مِثْلُ مَا حَصَلَ لِأُولَئِكَ وَلَا يَغِيبُونَ عَنْ حِسِّهِمْ وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْهُمْ التَّكْلِيفُ بَلْ تَكُونُ تِلْكَ الْحَالَةُ مُنْغَمِرَةً مَسْتُورَةً بِبَقِيَّةِ أَحْوَالِهِمْ.
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ أَخْذَ الْمَعَانِي مِنْ الْأَلْفَاظِ كَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ وَأَخْذَهَا مِنْ مَعْدِنِهَا كَمَنْ يَمْشِي سَوِيًّا. وَفِيهِ نَظَرٌ.