نَاقِصٍ وَإِنْ وَجَدَ صُورَةَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَمَا كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ فَبَعْدَ التَّوْبَةِ يَصِيرُ كَذَلِكَ.
وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشَّارِعَ إنْ كَانَ جَعَلَ تَرْكَ تِلْكَ الْمَنَاهِي جُزْءًا مِنْ الصَّوْمِ عَلَى جِهَةِ الْكَمَالِ لَمْ يُزَلْ الْخَلَلُ الْحَاصِلُ بِهَا بِالتَّوْبَةِ وَإِلَّا فَيَزُولُ، وَلِلشَّارِعِ التَّصَرُّفُ فِي مَاهِيَّاتِ الْعِبَادَاتِ بِالْجَعْلِ.
وَأَمَّا الرَّفَثُ وَالْجَدَلُ وَالْفُسُوقُ فِي الْحَجِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ مَا حَصَلَ لِلْحَجِّ بِهِ مِنْ النَّقْصِ فَإِنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ قَوِيَّةٌ فِي نَفْيِهَا عَنْ الْحَجِّ، وَالْحَدِيثُ وَعَدَ الْخُرُوجَ مِنْ الذُّنُوبِ عَلَى تَرْكِهَا، وَمِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ فِيهَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ أَحَدُهَا ذَاتُهَا، وَالثَّانِي مُخَالَفَةُ فَاعِلِهَا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالثَّالِثُ جَزَاؤُهُ عَلَيْهَا، وَكَذَا كُلُّ طَاعَةٍ ذَاتُهَا وَامْتِثَالُهُ بِهَا وَجَزَاؤُهُ بِالثَّوَابِ عَلَيْهَا وَالتَّوْبَةُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ إنَّمَا تُسْقِطُ الثَّالِثَ فَتَمْحُوهُ وَتُعْدِمُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَمَّا ذَاتُهَا وَمَا حَصَلَ بِهَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ فَقَدْ وَقَعَا فِي الْمَاضِي فَيَسْتَحِيلُ دَفْعُهَا، وَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: ٦٨] إلَى قَوْلِهِ {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: ٧٠] فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ رَاجِعٌ إلَى حُكْمِ مَنْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ {يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: ٦٨] وَأَمَّا وُجُودُ تِلْكَ الْمَعَاصِي وَكَوْنُهَا مُخَالِفَةً فَلَمْ تَرْتَفِعْ. فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: ٧٠] قُلْت: يَسْتَحِيلُ أَنْ تَصِيرَ السَّيِّئَةُ نَفْسُهَا حَسَنَةً وَإِنْ ظَنَّ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ؛ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَدِّلُهُمْ مَكَانَ السَّيِّئَاتِ الْمَاضِيَةِ حَسَنَاتٍ مُسْتَقْبَلَةً أَوْ يَمْحُو السَّيِّئَاتِ الْمَاضِيَةَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَكْتُبُ مَكَانَهَا الْحَسَنَاتِ الْمُسْتَقْبَلَةَ أَوْ حَسَنَاتٍ أُخْرَى مِنْ فَضْلِهِ، وَأَمَّا إنَّ ذَاتَ السَّيِّئَةِ تَكُونُ حَسَنَةً صَادِرَةً مِنْ الشَّخْصِ فَمُحَالٌ.
إذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالزِّنَا مَثَلًا ذَاتُهُ الَّتِي وَقَعَتْ مِنْ الزَّانِي لَمْ يَرْتَفِعْ وُجُودُهَا فِيمَا مَضَى بِالتَّوْبَةِ لِمُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا ارْتَفَعَ الْإِثْمُ عَلَيْهَا وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ الَّذِي دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى ارْتِفَاعِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute