لَا يَصِلُ ذِهْنُهُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ يَتَخَبَّطُ فِي الْفِكْرِ فِي ذَلِكَ وَلَّيْت لَوْ كَانَ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ طَرِيقًا إلَى تَفْهِيمِهِ فَإِنَّ شَرْطَ الْفَهْمِ تَشَوُّفُ الذِّهْنِ إلَيْهِ، وَلَعَمْرِي إنَّ مَانِعَ الدَّلَالَةِ أَقْرَبُ إلَى الْعُذْرِ مِنْ الْمُنْكَرِ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّ الْمَانِعَ مُتَمَسِّكٌ بِقَوَاعِد الْعِلْمِ فِي مَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ غَافِلٌ عَنْ نُكْتَةٍ خَفِيَّةٍ، وَالْمُنْكَرُ عَلَيْهِ إنَّمَا مَعَهُ مِنْ التَّمَسُّكِ فَهُوَ يُشَارِكُهُ فِيهِ الْعَوَامُّ فَلَا حَمْدَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُحْمَدُ عَلَى أَخْذِ الْمَعَانِي مِنْ الْقَوَاعِدِ الْعِلْمِيَّةِ، وَحَقٌّ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْقَوَاعِدَ وَيَغُوصَ لِلْبُحُوثِ فِيهَا عَلَيْهَا ثُمَّ يُرَاجِعَ حِسَّهُ وَفَهْمَهُ حَسْبَ طَبْعِهِ الْأَصْلِيِّ وَمَا يَفْهَمُهُ عُمُومُ النَّاسِ ثُمَّ يُوَازِنَ بَيْنَهُمَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ كَمَا يَعْرِضُ الذَّهَبَ عَلَى الْمِحَكِّ وَيُعَلِّقُهُ ثُمَّ يَعْرِضُهُ حَتَّى يَخْلُصَ.
وَاَلَّذِي أَقُولُهُ: إنَّ الْجُمْلَة الِاسْتِقْبَالِيَّة قبالية إذَا وَقَعَتْ خَبَرًا لَكَانَ انْقَلَبَتْ مَاضِيَةَ الْمَعْنَى لِدَلَالَةِ " كَانَ " عَلَى اقْتِرَانِ مَضْمُونِ الْخَبَرِ بِالزَّمَانِ الْمَاضِي فَكَانَ تَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ جَزَاءِ الشَّرْطِ وَهُوَ إدْنَاءُ رَأْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي عَنْ قَوْلِ عَائِشَةَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا عَنْ ابْتِدَاءِ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ " كَانَ " وَدَلَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ مُطَابِقَةٌ إنْ جَعَلْنَا الْمَحْكُومَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ الْجَزَاءَ مُقَيَّدًا بِالشَّرْطِ؛ وَإِنْ جَعَلْنَا الْمَحْكُومَ بِهِ النِّسْبَةَ لَزِمَ أَيْضًا لِأَنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُمَا فَيَسْتَلْزِمُ وُجُودُهُمَا فَتَكُونُ الدَّلَالَةُ عَلَى الْجَزَاءِ بِالِاسْتِلْزَامِ وَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى الشَّرْطِ فَبِالِاسْتِلْزَامِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.
فَإِنْ قُلْت: النِّسْبَةُ إنَّمَا هِيَ رَبْطُ الشَّرْطِ بِالْجَزَاءِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَدْعِي وُجُودَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قُلْت: النِّسْبَةُ لَهَا طَرَفَانِ: طَرَفٌ مِنْ جَانِبِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ الرَّبْطُ وَذَلِكَ التَّمَكُّنُ أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا بَلْ هُوَ حَاصِلٌ عِنْدَ التَّكَلُّمِ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ؛ وَطَرَفٌ هُوَ أَثَرٌ عَنْ ذَلِكَ الرَّبْطِ وَهُوَ ارْتِبَاطُ الشَّرْطِ بِالْجَزَاءِ وَذَلِكَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ وَهُوَ حَاصِلٌ الْآنَ أَيْضًا حَاصِلٌ عِنْدَ التَّكَلُّمِ لِأَنَّهُ أَثَرٌ عَنْ الرَّبْطِ فَيُوجَدُ عِنْدَ ضَرُورَةِ وُجُودِ الْأَثَرِ عِنْدَ الْمُؤَثِّرِ وَلَمْ يُؤْتَ بِكَانَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ بَلْ لِأَمْرٍ ثَالِثٍ وَهُوَ وُقُوعُ الْجَزَاءِ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ.
فَإِنْ قُلْت: وَالْوُقُوعُ عِنْدَ الْوُقُوعِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ مُطْلَقًا. قُلْت: ذَاكَ إذَا أُخِذَ مُطْلَقُ الْوُقُوعِ وَهُنَا يُؤْخَذُ مُقَيَّدًا بِالْمُضِيِّ لِدَلَالَةِ " كَانَ " فَدَلَّتْ عَلَى وُقُوعِ إدْنَاءِ الرَّأْسِ فِي الْمَاضِي وَمِنْ ضَرُورَتِهِ وُقُوعُ الِاعْتِكَافِ وَلَوْ قُلْت إنْ كَانَ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى مَعْنَى ارْتِبَاطِ مُطْلَقِ وُقُوعِ الشَّرْطِ بِمُطْلَقِ وُقُوعِ الْجَزَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضِيِّ مَعْنًى لِأَنَّ هَذَا حَاصِلٌ بِدُونِهَا.
وَهَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي كُلٍّ شَرْطِيَّةٌ. فَإِذَا قُلْتَ: إذَا جَاءَ زَيْدٌ جَاءَ عَمْرٌو فَإِخْبَارُك وَمَرْبِطُك وَالِارْتِبَاطُ الْمَحْكُومُ بِهِ كُلُّ ذَلِكَ حَاصِلٌ الْآنَ وَالْخَبَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute