نَقُولُ: صَحِيحٌ أَنَّهَا لِلْمُحْتَمَلِ وَكَذَلِكَ هِيَ هُنَا لَكِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ هَذَا الْمُحْتَمَلِ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي خَبَرِ كَانَ، وَتَقُولُ: زَيْدٌ إذَا اعْتَكَفَ يَصُومُ وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ مِنْهُ اعْتِكَافٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ حِينَئِذٍ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْعَامِلَ فِي " إذَا " جَوَابُهَا أَوْ الْفِعْلُ الَّذِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الصَّوْمُ مُقَارِنًا لِلِاعْتِكَافِ.
وَعَلَى الثَّانِي لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَالْمُخْبَرُ بِهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الصَّوْمُ إذَا اعْتَكَفَ وَلَيْسَ لَك أَنْ تَقُولَ: لَيْسَ الصَّوْمُ مُخْبَرًا بِهِ بَلْ الْمُخْبَرُ بِهِ النِّسْبَةُ لِأَنَّا نَقُولُ: النِّسْبَةُ هِيَ نَفْسُ الْخَبَرِ أَوْ لَازِمُهُ وَهُوَ التَّفْصِيلُ الذِّهْنِيُّ وَأَمَّا الْمُخْبَرُ بِهِ فَلَا شَكَّ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ الْمَحْمُولُ وَأَيْضًا وَالْمَعْنَيَانِ مُتَلَازِمَانِ فِي الْخَارِجِ فَإِذَا دَخَلَتْ كَانَ فَقُلْت: كَانَ زَيْدٌ إذَا اعْتَكَفَ يَصُومُ صَارَ الْمَعْنَى الْإِخْبَارَ بِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ مِنْهُ اعْتِكَافٌ فِي زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ عَنْ الزَّمَانِ الْمَاضِي الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ كَانَ مَاضٍ عَنْ زَمَانِ إخْبَارِك الصَّوْمَ بِالتَّقْرِيرِ الَّذِي قُلْنَاهُ فَإِنَّ دُخُولَ كَانَ لَمْ يَزْدَدْ إلَّا تَحَقُّقَ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ مُسْتَقْبَلًا صَارَ مَاضِيًا لِضَرُورَةِ دُخُولِهِ فِي خَبَرِ كَانَ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ كَانَ الِاحْتِمَالُ أَنْ لَا يَقَعَ الشَّرْطُ وَلَا الْجَزَاءُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: ٣٧] وَقَدْ يَكُونُ شَخْصٌ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ غَضَبٌ أَصْلًا. وقَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ} [الحج: ٤١] .
وَقَدْ تَخْتَرِمُ الْمَنِيَّةُ شَخْصًا قَبْلَ حُصُولِ التَّمْكِينِ لَهُ، فَفِي مِثْلِ هَذَا إذَا دَخَلَتْ كَانَ لَا بُدَّ أَنَّ مُحَصِّلَ هَذَا إذَا أُخِذَتْ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ الْفِعْلِيُّ، وَقَدْ تَأْتِي هَذِهِ الصِّيغَةُ وَالْمَقْصُودُ بِهَا الْإِخْبَارُ عَنْ الصِّفَةِ وَأَنَّ هَذَا الشَّخْصَ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ كَمَا تَقُولُ: الْأَسَدُ إنْ ظَفِرَ افْتَرَسَ أَيْ مِنْ صِفَتِهِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: إنْ قُوبِلُوا سَمِعُوا أَيْ مِنْ صِفَتِهِمْ هَذَا سَوَاءٌ وُجِدَ أَمْ لَا، فَإِذَا دَخَلَتْ كَانَ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَقُلْت: كَانَ زَيْدٌ قَوِيًّا جَلْدًا إنْ لَقِيَ أَلْفًا كَسَرَهُمْ وَقَصْدُك الْإِخْبَارُ عَنْ قُوَّتِهِ وَأَنَّهُ بِحَيْثُ لَوْ لَقِيَ أَلْفًا كَسَرَهُمْ لَمْ يَلْزَمْ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ قَدْ لَقِيَ وَلَا كَسَرَ.
وَالْوَاقِعُ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّهُ لَيْسَ حَقِيقَةً بِاللَّفْظِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الْإِخْبَارُ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ مُرَادِ الصَّحَابِيِّ لَا سِيَّمَا وَقَصْدُهُ إثْبَاتُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُسْنَدَةِ إلَى أَفْعَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا بَنَى عَلَيْهِ السَّائِلُ كَلَامَهُ وَهُوَ أَنَّ خَبَرَ كَانَ هُوَ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ وَأَنْ يُدْنِي جَوَابُ الشَّرْطِ، وَهُنَا احْتِمَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُدْنِي خَبَرُ كَانَ وَإِذَا وَإِمَّا شَرْطِيَّةٌ وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ وَإِمَّا ظَرْفِيَّةٌ مَحْضَةٌ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَجَرُّدَهَا عَنْ الشَّرْطِيَّةِ. هَذَا مَا حَضَرَنِي الْآنَ وَتَيَسَّرَ ذِكْرُهُ وَأَرْجُوهُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودَ.
وَلَنَا كَلَامٌ آخَرُ إذَا وَقَعَتْ كَانَ فِعْلَ شَرْطٍ كَقَوْلِك: إنْ كَانَ فَكَذَا فِيهِ مَبَاحِثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute