للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْوَعْدِ. ثُمَّ يَنْتَقِلُ الْكَلَامُ إذَا جَعَلَ خَبَرًا لَكَانَ فَقُلْت: زَيْدٌ كَانَ إذَا وَعَدَ وَفَّى، وَ " كَانَ " إنَّمَا تَصِيرُ مَا كَانَ حَالًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا مَاضِيًا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا عَنْ الصِّفَةِ فَقَطْ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى وُقُوعِ الشَّرْطِ وَلَا الْجَزَاءِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ} [الحج: ٤١] وقَوْله تَعَالَى {كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: ٣٥] وقَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: ٣٩] وقَوْله تَعَالَى {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: ٣٧] وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

إذَا أَنْتَ لَمْ تَنْزِعْ عَنْ الْجَهْلِ وَالْخَنَا ... أَصَبْتَ حَلِيمًا أَوْ أَصَابَك جَاهِلُ

وَنَظَائِرُ ذَلِكَ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَفِي بَعْضِهَا يَظْهَرُ مِنْ قُوَّةِ الْكَلَامِ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِخْبَارُ بِالْجَزَاءِ عِنْدَ الشَّرْطِ مِثْلُ قَوْلِهِ: إذَا أَنْتَ لَمْ تَنْزِعْ عَنْ الْجَهْلِ وَالْخَنَا أَصَبْت حَلِيمًا أَوْ أَصَابَك جَاهِلُ وَيَنْشَأُ مِنْ هَذَا النَّظَرِ وَالتَّرَدُّدِ قُوَّةُ السُّؤَالِ وَتُوقَفُ دَلَالَةُ قَوْلِهَا «كَانَ إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي» عَلَى وُقُوعِ الِاعْتِكَافِ وَالْإِدْنَاءِ، وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى وُقُوعَ الِاعْتِكَافِ وَحِينَئِذٍ لَا يَدُلُّ هَذَا اللَّفْظُ بِمُجَرَّدِهِ عَلَى قُوَّةِ الِاعْتِكَافِ لَا دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ وَلَا دَلَالَةَ الْتِزَامٍ، وَإِنَّمَا الْقَدْرُ الْمُحَقَّقُ مِنْهُ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ صِفَتَهُ كَذَا وَكَوْنُ صِفَتِهِ كَذَا تُعْرَفُ بِأُمُورٍ إمَّا لِوُقُوعِ ذَلِكَ وَتَكَرُّرِهِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ مَا عَلِمَهُ الْمُخْبِرُ مِنْ حَالِهِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا اللَّفْظِ مِمَّا يَكُونُ مُسَوِّغًا لِلْإِخْبَارِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَالِمٌ بِصِفَةِ الشَّخْصِ وَمَا يَكُونُ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِمَّا قَرَائِنُ حَالِيَّةٌ يَسْتَدِلُّ بِهَا الْعِبَادُ عَلَى ذَلِكَ فَفِي حَقِّ الْعِبَادِ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ طَرِيقَانِ مُسَوِّغَانِ فَلَوْ انْحَصَرَ الطَّرِيقُ فِي الْأَوَّلِ كُنَّا نَقُولُ تَدُلُّ دَلَالَةَ الْتِزَامٍ مَعَ نَظَرٍ فِيهِ، وَوَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ الذِّهْنَ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ اللَّفْظِ إلَيْهِ بَلْ مِنْ حَالِ الْمُخْبِرِ وَصِدْقِهِ إلَيْهِ وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ لَا يَنْحَصِرُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُ الْمُخْبِرِ هُوَ الطَّرِيقَ الثَّالِثَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَهَذَا مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ نَظَرِي فَلِلَّهِ دَرُّ مَنْ وَقَعَ ذِهْنُهُ بَدِيهَةً عَلَيْهِ وَبَارَكَ فِي عُمُرِهِ.

وَكُتِبَ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فَوَصَلَ الَّذِي كَتَبْتُهُ أَوَّلًا دُونَ الْمُلْحَقِ إلَى وَلَدِي أَبِي حَامِدٍ بِالْقَاهِرَةِ وَتَوَقَّفَ فِي جَوَابِهِ أَدَبًا فَأَلْحَحْت عَلَيْهِ فِي الْكِتَابَةِ فَكَتَبَ فِي بَعْضِ نَهَارِ الْخَمِيسِ الثَّانِي مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ غَيْرِ مُذَاكَرَةِ أَحَدٍ وَلَا كِتَابَةٍ مُسَوَّدَةٍ فِي دَرْجِ تِسْعَةَ عَشَرَ وَصْلًا وَأَرْسَلَهُ فِي طَيِّ كِتَابِهِ فَوَصَلَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ الثَّانِي عَشْرَ مِنْ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ رَبِيعٌ الْآخَرُ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ. انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>