«أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَحُجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ: بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ فَيْرُوزَ قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْحَجِّ وَهِيَ الِاسْتِطَاعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] فَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا مَعَ السَّبِيلِ الْآمِنَةِ الْمَسْلُوكَةِ فَهُوَ مُسْتَطِيعٌ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ آخَرُونَ الِاسْتِطَاعَةُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُوجِبُ الْحَجَّ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ يَعْنِي قَوْلَهُ {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] » . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْمَقْدِسِيُّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: وَلَا أَرَى بِبَعْضِ طُرُقِهِ بَأْسًا، وَأَمَّا خَلَاصُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي إلَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى حَالٍ يَظُنُّ فَوَاتَهُ لَوْ أَخَّرَهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَآخَرُونَ: هُوَ عَلَى الْفَوْرِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيُعَجِّلْ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ. فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ فَمُؤَخِّرُهُ يَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْإِمْكَانِ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٧] .
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْحَجَّ لَيْسَ بِفَرْضٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْمَعْنَى مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى مَنْ كَفَرَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي فِي الْبَيْتِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَقَدْ كَفَرَ بِأَنْ وَجَدَ مَا يَحُجُّ بِهِ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَنَّ الْحَجَّ وَالصِّيَامَ وَالزَّكَاةَ مِثْلُ الصَّلَاةِ مَنْ تَرَكَ فِعْلَ شَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِفَرْضِهَا فَهُوَ كَافِرٌ.
وَهُوَ مَذْهَبٌ انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنَّمَا قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ذَلِكَ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً هَلْ يُقْتَلُ أَوْ يُؤَدَّبُ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَبْعَثَ رِجَالًا إلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ فَلْيَنْظُرُوا كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ جِدَةٌ وَلَمْ يَحُجَّ فَيَضْرِبُوا عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْحَسَنُ لَمْ يُسْمَعْ مِنْ عُمَرَ.
وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute