للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُبَّةِ كِبْرِيتًا أَحْمَرَ يُضِيءُ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا وَزِينَةُ مَسْجِدِ دِمَشْقَ شَيْءٌ عَظِيمٌ، وَفِي ذَلِكَ تَرْغِيبُ النَّاسِ فِي الْجَمَاعَةِ وَتَعْظِيمُ بَيْتِ اللَّهِ، وَكَوْنُهُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى قُبْحِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَزْيِينُ الْمَسَاجِدِ وَتَضْيِيعُ الصَّلَوَاتِ.

هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْكَافِي مِنْ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: فَإِنْ اجْتَمَعَتْ أَمْوَالُ الْمَسْجِدِ وَخَافَ الضَّيَاعَ بِطَمَعِ الظَّلَمَةِ فِيهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ يَعْنِي مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُبَاحُ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا يُبَاحُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَفِي قُنْيَةِ الْمُنْيَةِ مِنْ كُتُبِهِمْ لَوْ اشْتَرَى مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ شَمْعًا فِي رَمَضَانَ يَضْمَنُ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ ذَلِكَ الْوَقْفِ.

وَقَالَ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُنْقَشَ الْمَسْجِدُ بِالْجَصِّ وَالسَّاجِ وَمَاءِ الذَّهَبِ وَكَذَا تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقِيلَ: هُوَ قُرْبَةٌ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ مِنْهُمْ مِنْ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ.

قَالَ الْأَزْرَقِيُّ: أَوَّلُ مَنْ كَسَا الْكَعْبَةَ تُبَّعٌ ثُمَّ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ كَسَاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَكَانَ الْمَأْمُونُ يَكْسُوهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِالدِّيبَاجِ الْأَحْمَرِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالْقَبَاطِيِّ أَوَّلَ رَجَبٍ وَالدِّيبَاجِ الْأَبْيَضِ فِي سَابِعَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ.

وَأَمَّا تَذْهِيبُ الْكَعْبَةِ فَإِنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بَعَثَ إلَى خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَإِلَى مَكَّةَ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ وَجَعَلَهَا عَلَى بَابِهَا وَالْمِيزَابِ وَالْأَسَاطِينِ وَالْأَرْكَانِ، وَذُكِرَ فِي الرِّعَايَةِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَسْجِدَ يُصَانُ عَنْ الزَّخْرَفَةِ، وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْكَعْبَةِ. ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ الطِّرَازِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ.

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَفِي الْمُغْنِي مِنْ كُتُبِهِمْ لَا يَجُوزُ تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ وَلَا الْمَحَارِيبِ وَقَنَادِيلَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْآنِيَةِ وَإِنَّ وَقْفَهَا عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ وَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ فَتُكْسَرُ وَتُصْرَفُ فِي مَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ فَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْآنِيَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ وَقْفُهَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ وَاقِفَهَا إنَّمَا خَرَجَ عَنْهَا عَلَى أَنْ تَكُونَ وَقْفًا دَائِمًا وَلَهُ قَصْدٌ فِي ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ يَنْبَغِي رُجُوعُهَا إلَيْهِ.

فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لَوْ وَقَفَ عَلَى تَجْصِيصِ الْمَسْجِدِ وَتَلْوِينِهِ وَنَقْشِهِ هَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ الْمَسْجِدِ وَإِعْزَازَ الدِّينِ، وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ تَزْيِينَ الْمَسَاجِدِ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَأَلْحَقَهُ بِتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. قُلْت: أَمَّا كَوْنُهُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ وَأَمَّا كَوْنُهُ أَلْحَقَهُ بِتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَاَلَّذِي وَرَدَ «لَتُزَخْرِفُنَّهَا ثُمَّ لَا تَعْمُرُونَهَا إلَّا قَلِيلًا» فَالْمَذْمُومُ عَدَمُ الْعِمَارَةِ بِالْعِبَادَةِ أَوْ الْجَمْعُ بَيْنَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>