زَادَ تَأْكِيدًا، وَهَذَا التَّعْلِيلُ عِبَارَةُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يُوَافِقُهُ، وَهَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ يُبَيِّنُ أَنَّ بَيْعَ الرَّهْنِ مُسْتَحَقٌّ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ امْتِنَاعٌ مِنْ الرَّاهِنِ وَلَا تَعَذُّرٌ فَإِنَّ الصُّورَةَ فِي الْإِذْنِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا امْتِنَاعٌ وَلَا تَعَذُّرٌ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلْبَيْعِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُفِيدُ إطْلَاقَ عِبَارَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ. قُلْت لَا مُنَافَاةَ لِلْأَصْحَابِ ثَلَاثُ عِبَارَاتٍ ثَالِثُهَا مُسْتَحَقٌّ الْبَيْعَ إنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، وَهِيَ عِبَارَةُ الْمُتَوَلِّي، وَمَقْصُودُ الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثِ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ تَأَخَّرَ، وَالْبَيْعُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَفَاءِ، فَإِنْ وُجِدَ الْوَفَاءُ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَنَحْنُ إنَّمَا نَتَكَلَّمُ فِي الرَّهْنِ مَا دَامَ رَهْنًا، وَمَنْ أَطْلَقَ التَّعَذُّرَ فَمُرَادُهُ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ لِلرَّاهِنِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا عَدَمُ الْوَفَاءِ دُونَ التَّعَذُّرِ.
فَإِنْ قُلْت: لَوْ كَانَ بَيْعُ الرَّهْنِ مُسْتَحَقًّا قَبْلَ التَّعَذُّرِ لَمَا احْتَجْنَا إلَى مُرَاجَعَةِ الرَّاهِنِ وَاسْتِئْذَانِهِ، وَلَكَانَ يَجُوزُ لَنَا الْمُبَادَرَةُ بِالْبَيْعِ. قُلْت: اسْتِحْقَاقُ الْبَيْعِ مَعْنَاهُ اسْتِحْقَاقُ أَنْ يُبَاعَ فِي دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَالْبَيْعُ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْمَالِكِ مِنْ رَجْعٍ لِذَلِكَ بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ. فَإِنْ قُلْت: الْمُسْتَحَقُّ عَلَى الرَّهْنِ إنَّمَا هُوَ وَفَاءٌ لِلدَّيْنِ.
قُلْت لَا نُسَلِّمُ الْحَصْرَ بَلْ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ أَمْرَانِ: وَفَاءُ الدَّيْنِ الثَّابِتِ قَبْلَ الرَّهْنِ، وَالثَّانِي تَجَدُّدٌ بِالرَّهْنِ، وَهُوَ بَيْعُ الرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يُوَفَّى مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ. فَإِنْ قُلْت: فَحِينَئِذٍ نَقُولُ: إنَّ بَيْعَ الرَّهْنِ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ، وَإِنَّمَا الْمُسْتَحَقُّ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا بَيْعُهُ، وَإِمَّا وَفَاءُ الدَّيْنِ. قُلْت: لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ تُوصَفُ كُلُّ خُصْلَةٍ مِنْهُ بِالْوُجُوبِ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّ الْوَفَاءَ وَاجِبٌ عَيْنًا قَبْلَ الرَّهْنِ فَلَا يَنْقَطِعُ ذَلِكَ التَّعَيُّنُ بِالرَّهْنِ بَلْ تَجَدَّدَ بِالرَّهْنِ حَقٌّ آخَرُ مَعَهُ، وَهُوَ بَيْعُ الرَّهْنِ، وَالرَّاهِنُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ قَطْعِ هَذَا الْحَقِّ بِالْوَفَاءِ. فَإِنْ قُلْت: لَوْ كَانَ بَيْعُ الرَّهْنِ مُسْتَحَقًّا قَبْلَ الِامْتِنَاعِ لَكَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ قَبْلَ الِامْتِنَاعِ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُ الرَّاهِنَ بِالْوَفَاءِ، فَإِنْ امْتَنَعَ بَاعَ الرَّهْنَ. قُلْت: إنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فَيَبْدَأُ الْحَاكِمُ بِهِ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْوَفَاءِ، وَهُوَ إلَى خِيرَةِ الرَّاهِنِ فَكَانَتْ الدَّعْوَى بِهِ غَيْرَ مُلْزِمَةٍ، وَالدَّعْوَى بِالْوَفَاءِ مُلْزِمَةً يَلْزَمَهُ الْوَفَاءُ إمَّا مِنْ الرَّهْنِ، وَإِمَّا مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ الرَّهْنِ إذَا اخْتَارَ الْوَفَاءَ مِنْ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ الْحَاكِمُ أَوَّلًا عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِالْوَفَاءِ وَنَحْنُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: إمَّا أَنْ نَقُولَ: حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ إلَّا أَنْ يُسْقِطَهُ الرَّاهِنُ بِالْوَفَاءِ، وَإِمَّا أَنْ نَقُولَ: حَقُّهُ إمَّا فِي بَيْعِهِ، وَإِمَّا فِي الْوَفَاءِ وَنَصِفُ كُلِّ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ بِالْوُجُوبِ، وَلِهَذَا نَظَائِرُ مِنْهَا مُطَالَبَةُ الْمَوْلَى بِالْعُنَّةِ، أَوْ الطَّلَاقِ إمَّا أَنْ نَقُولَ: يُطَالَبُ بِالْعُنَّةِ وَلَهُ قَطْعُ الْمُطَالَبَةِ بِالطَّلَاقِ، وَإِمَّا أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute