غَيْرِ الرَّهْنِ لَا يُسْتَحَقُّ عَلَى التَّعْيِينِ، أَوْ لَا يُسْتَحَقُّ لَا عَلَى التَّعْيِينِ وَلَا عَلَى الْإِبْهَامِ قُلْت: لَا يُسْتَحَقُّ لَا عَلَى التَّعْيِينِ وَلَا عَلَى الْإِبْهَامِ، وَهَذَا مَقَامٌ يَنْبَغِي أَنْ يُتَمَهَّلَ فِيهِ فَإِنَّ لِبَائِعِ الرَّهْنِ عَيْنًا، وَبَيْعُ غَيْرِهِ عَيْنًا وَأَحَدُهُمَا مُبْهَمٌ، وَتَحْصِيلُ الدَّيْنِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَتْ وَوَفَاءُ الدَّيْنِ نَفْسِهِ، فَأَمَّا بَيْعُ الرَّهْنِ عَيْنًا فَقَدْ بَيَّنَّا اسْتِحْقَاقَهُ، وَأَحَدُهُمَا عَلَى الْإِبْهَامِ إنْ أَخَذَ مِنْ جِهَةِ شُمُولِهِ لِلرَّهْنِ الْمُسْتَحَقِّ فَهُوَ مُسْتَحَقٌّ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ جَانِبِ غَيْرِ الرَّهْنِ، فَلَا حَظَّ لَهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ بَيْعًا، وَإِنْ أَخَذَ الطَّرِيقَ الْأَعَمَّ مِنْهُ، وَمِنْ الِاقْتِرَاضِ وَغَيْرِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِالِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْوَاجِبِ.
وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ إنَّمَا حَقُّهُ فِي الْوَفَاءِ، وَالْوَاجِبِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الِاسْتِحْقَاقُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا كَانَ لِلْآدَمِيِّينَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ مَا يَمْلِكُونَ الْمُطَالَبَةَ، وَالْمُطَالَبَةُ إنَّمَا هِيَ بِالْوَفَاءِ، فَالطُّرُقُ لَيْسَ مُسْتَحَقَّةً لِصَاحِبِ الدَّيْنِ
فَإِنْ قُلْت: فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْعُ الْمَرْهُونِ. قُلْت: إنَّمَا كَانَ مُسْتَحَقًّا لِإِثْبَاتِ الرَّاهِنِ الْحَقَّ فِيهِ بِرَهْنِهِ لَا لِكَوْنِهِ طَرِيقًا لِلْوَفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ. فَإِنْ قُلْت: سَلَّمْنَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ أَنَّ الرَّهْنَ بَيْعُهُ مُسْتَحَقٌّ، وَبَيْعُ غَيْرِهِ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ لَكِنَّ قَوْلَكُمْ: لَا وَجْهَ لِبَيْعِ غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ مَعَ إمْكَانِ الْمُسْتَحَقِّ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ عَنْ الْبُرْهَانِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ظُهُورِ وَجْهِهِ عِنْدَكُمْ عَدَمُهُ، وَوَجْهُهُ أَنْ نَقُولَ: إنَّ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ لَا نَعْنِي بِهِ الْوُجُوبَ الْمُتَعَيِّنَ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلرَّاهِنِ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ تَعَلُّقُ الْحَقِّ بِهِ، وَالْوَاجِبُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ هُوَ الْوَفَاءُ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ قَامَ الْقَاضِي مَقَامَهُ فَيُوَفِّيه مِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَرَادَ.
وَقَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِي الْعُدُولِ عَنْ الرَّهْنِ إلَى غَيْرِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَيْعُ غَيْرِ الرَّهْنِ أَسْرَعَ فَفِيهِ تَعْجِيلٌ بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ، وَفِي ذَلِكَ تَبْرِئَةُ ذِمَّتِهِ وَحُصُولُ مَصْلَحَةِ صَاحِبِ الدَّيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَتُهُمَا بِأَنْ يَكُونَ إبْقَاءُ الرَّهْنِ أَصْلَحَ لِلرَّاهِنِ وَنَحْنُ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ بَيْعَ الرَّهْنِ مُسْتَحَقٌّ لَكِنَّ الْوَفَاءَ أَيْضًا مُسْتَحَقٌّ، وَهُوَ الْأَصْلُ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي الْمُطَالَبَةِ عَلَيْهِ، وَلَا يَطْلُبُ بَيْعَ الرَّهْنِ، وَهُوَ إنَّمَا يُبَاعُ لِحَقِّهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِهِ، فَإِذَا لَمْ يَطْلُبْ بَيْعَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى طَلَبِ الْوَفَاءِ كَانَ الْقَاضِي مُخَيَّرًا فِي الْوَفَاءِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ. قُلْت: الِاسْتِحْقَاقُ مَعْنَاهُ تَعَلُّقُ الْحَقِّ، وَالْوُجُوبِ لَكِنَّ لِلرَّاهِنِ إسْقَاطَهُ بِالْوَفَاءِ كَمَا سَبَقَ، فَإِذَا لَمْ يُوَفِّ تَعَيَّنَ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ الْوَفَاءُ فَعِنْدَ الِامْتِنَاعِ إنَّمَا يَبِيعُ الْقَاضِي مَا وَجَبَ بَيْعُهُ، وَغَيْرُ الرَّهْنِ لَمْ يَجِبْ بَيْعُهُ لِمَا سَبَقَ، وَلِأَنَّهُ بِرَهْنِهِ كَمَنْ أَذِنَ فِي بَيْعِهِ فَلَيْسَ مُمْتَنِعًا الْوَفَاءُ مِنْهُ حَيْثُ عَرَضَهُ بِالرَّهْنِ لِلْبَيْعِ، فَإِذَا لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ الْوَفَاءِ مِنْهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute