للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِمَامِ يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ لِلثَّانِي، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ غَيْبَةِ الرَّاهِنِ، وَحُضُورِهِ فَكُلُّ مَا أَوْجَبْنَاهُ عَلَيْهِ فِي حُضُورِهِ قَامَ الْقَاضِي مَقَامَهُ فِيهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَكُلُّ مَا جَوَّزْنَاهُ لَهُ قَامَ الْقَاضِي مَقَامَهُ فِيهِ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَبَيْعُ الرَّهْنِ حَقٌّ لِلْمُرْتَهِنِ يَفْعَلُهُ الْقَاضِي بِطَلَبِهِ، وَلَا يَفْعَلُهُ بِدُونِ طَلَبِهِ، وَبَيْعُ غَيْرِ الرَّهْنِ لَيْسَ حَقًّا لِلْمُرْتَهِنِ، وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُهُ، وَالْقَاضِي يَفْعَلُهُ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ، وَقَدْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَ الرَّهْنِ، أَوْ الْوَفَاءَ تَخْلِيصًا لِلرَّهْنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَمَنْعًا لَهُ مِنْ بَيْعِهِ، وَتَبْرِئَةً لِذِمَّةِ الْغَائِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمْ انْتَهَى.

(مَسْأَلَةٌ) رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَرَهَنَ عَلَيْهِ كَرْمًا، وَحَلَّ الدَّيْنُ، وَهُوَ غَائِبٌ، وَأَثْبَتَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْإِقْرَارَ، وَالرَّهْنَ، وَالْقَبْضَ، وَغَيْبَةَ الرَّاهِنِ الْمَدْيُونِ، وَنَدَبَ الْحَاكِمُ مِنْ قَوْمِ الْمَرْهُونِ وَثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ قِيمَتَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَأَذِنَ فِي تَعْوِيضِهِ لِلْمُرْتَهِنِ عَنْ دَيْنِهِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ التَّعْوِيضِ ثَلَثُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ يَوْمُ التَّعْوِيضِ يَوْمَ التَّقْوِيمِ الْأَوَّلِ؟

(الْجَوَابُ) يَسْتَمِرُّ التَّعْوِيضُ، وَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ مَهْمَا كَانَ التَّقْوِيمُ الْأَوَّلُ مُحْتَمَلًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي دَيْنٍ وَاجِبٍ عَلَى صَاحِبِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِالْبَيِّنَةِ الْمُعَارِضَةِ وَلِأَنَّ فِعْلَ هَذَا الْمَأْذُونِ كَفِعْلِ الْحَاكِمِ وَفِعْلُ الْحَاكِمِ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ حُكْمٌ، أَوْ لَا.

وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ إلَّا بِمُسْتَنَدٍ، وَالْبَيِّنَةُ الْمُعَارَضَةُ بِأُخْرَى فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مُسْتَنَدًا بَلْ أَقُولُ: إنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِعْ حَتَّى قَامَتْ هَذِهِ، وَحَصَلَ التَّعَارُضُ، وَلَمْ يَحْصُلْ إلَّا مَنْ يَشْتَرِيه بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ بِيعَ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ، وَلَا يُنْتَظَرُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُتْرَكُ بِالشَّكِّ، وَوُجُوبُ الْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ بَعْدَ الطَّلَبِ يَقِينٌ، وَالزِّيَادَةُ الْمُنْتَظَرَةُ لِحَقِّ الْمَدْيُونِ مَشْكُوكٌ فِيهَا، وَهُوَ أَلْزَمَ نَفْسَهُ بِالْوَفَاءِ، وَلِمَا قُلْنَاهُ أَدِلَّةٌ، وَشَوَاهِدُ بِالِاعْتِبَارِ مِنْهَا مَا هُوَ قَوِيٌّ صَالِحٌ لِلتَّمَسُّكِ بِهِ وَفِيهَا مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ لِيَنْظُرَ، أَوْ يُجِيبَ عَنْهُ: مِنْهَا مَا حَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا أَفْلَسَ رَجُلٌ، وَأَرَادَ الْحَاكِمُ قِسْمَةَ مَالِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَلَا يُؤَخِّرُ قِسْمَةَ الْعَيْنِ الْمَشْهُودِ بِهَا بَلْ تُقَسَّمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَأَبُو إِسْحَاقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَشْهَدَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْحُكْمِ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ.

وَقَالَ: إنَّ الْمُدَّعِيَ بِهِ لِغَائِبٍ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً حَيْثُ حَكَمْنَا لِلْمُدَّعِي، وَأَوْرَدَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَيْنَا أَنَّ هَذَا حُكْمٌ لِلْخَارِجِ فَأَجَابَ، وَاسْتَشْهَدَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَاسَ عَلَيْهَا فَكَمَا أَنَّ الْحَاكِمَ يَبِيعُ الْعَيْنَ الَّتِي قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ فِيهَا أَنَّهَا لِغَائِبٍ، وَيُقَسِّمُهَا بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ.

وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى الْبَيِّنَةِ لِعَدَمِ حُضُورِ صَاحِبِهَا، وَتَوَقَّفَ ثُبُوتُ كَوْنِهَا لَهُ عَلَى دَعْوَاهُ، أَوْ دَعْوَى وَكِيلِهِ، فَكَذَلِكَ هَهُنَا يَبِيعُ الْمَرْهُونَ بِمُطَالَبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>