للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفُقَهَاءِ، وَيُعْتَقَدُ أَنَّ قِيَاسَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَأْخَذَ الْعِرَاقِيِّينَ بِالْقَوْلِ فِي النَّقْضِ أَنَّهُ حُكْمٌ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي مَعَهَا تَرْجِيحٌ، وَلَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا لَوَجَبَ الْحُكْمُ لِذِي الْيَدِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ حُكْمَهُ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ، وَانْكَشَفَ أَنَّ هُنَاكَ أَمْرَيْنِ: بَيِّنَةً، وَيَدًا كَانَتَا مَوْجُودَتَيْنِ عِنْدَ الْحُكْمِ، وَلَوْ عَلِمَهُمَا الْحَاكِمُ الشَّافِعِيُّ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لِذِي الْيَدِ، وَهُوَ الْآنَ حَكَمَ بِذَلِكَ رُجُوعًا إلَى الصَّوَابِ، وَلَيْسَ تَعَارُضًا مَحْضًا بِلَا تَرْجِيحٍ حَتَّى يُقَالَ بِالتَّسَاقُطِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَثَرُهُ التَّوَقُّفُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ، وَالرُّجُوعَ إلَى الْيَدِ وَحْدَهَا، وَلَيْسَ هُنَا كَذَلِكَ؛ وَلِهَذَا الْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا تُرَدُّ، وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ لَمْ نَرَهُمْ قَالُوا بِتَحْلِيفِ الْمُدَّعِي، وَذَلِكَ مِنْهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِالْبَيِّنَةِ الرَّاجِحَةِ بِالْيَدِ فَلَا تَعَارُضَ يُوجِبُ التَّسَاقُطَ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ، وَيَتَسَاقَطَانِ، وَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي بِالْحُكْمِ بِالْيَدِ، وَهِيَ مُسْتَنَدٌ شَرْعِيٌّ.

وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمَأْخَذَيْنِ لَيْسَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ تَعَارُضٌ مَحْضٌ بِالْقِيمَةِ، فَإِذَا قَالَ بِالتَّعَارُضِ تَسَاقَطَتَا، وَصَارَا كَمَا إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِالْقِيمَةِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ بِالْقِيمَةِ، وَكَانَ قَدْ صَدَرَ بَيْعٌ، وَجَبَ التَّوَقُّفُ فِيهِ، وَأَنْ لَا يَحْكُمَ بِبُطْلَانِهِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ بِدُونِ الْقِيمَةِ، وَهَذَا هُنَا مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ زَمَنٌ يَنْتَظِرُ فِيهِ عَدَمَ ثُبُوتِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عِنْدَنَا لَا تُرَجَّحُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ، وَلَا بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ فَقَدْ أَيِسَ مِنْ ثُبُوتِ أَنَّهُ بِدُونِ الْقِيمَةِ فَيَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِهِ، وَهَذَانِ الْمَأْخَذَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي نَقْضِ الْحُكْمِ بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ يَجِبُ ضَبْطُهُمَا، وَأَيْضًا الْبَيِّنَةُ بِالْمِلْكِ تَشْهَدُ بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ هُوَ حَاصِلٌ عِنْدَهَا، وَقْتَ شَهَادَةِ الْأَوَّلِ، وَهَكَذَا حَيْثُ، وَقَعَ التَّعَارُضُ فِيمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَالشَّهَادَةُ بِهِ خَبَرٌ مَحْضٌ.

وَأَمَّا التَّقْوِيمُ فَإِنَّهُ حَدْسٌ، وَتَخْمِينٌ، وَالْحَدْسُ الْمُتَجَدِّدُ بَعْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَبِنْ قَبْلَهُ فَلَا تَعَارُضَ حِينَ الْبَيْعِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْصُلَ التَّعَارُضُ فِي الْقِيمَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَبَعْدَهُ فَبَعْدَهُ لَا تَعَارُضَ أَصْلًا، فَإِنَّ الْحَدْسَ الثَّانِيَ شَيْءٌ جَدِيدٌ يُشْبِهُ الْإِنْشَاءَ لَيْسَ كَاشِفًا عَنْ أَمْرٍ سَابِقٍ بِخِلَافِ ظُهُورِ بَيِّنَةٍ بِأَمْرٍ سَابِقٍ كَانَ مُقَارِنًا لِلْحُكْمِ مَانِعًا، وَهَذَا الْمَعْنَى جَدِيرٌ بِأَنْ يُتَفَهَّمَ، وَيُضْبَطَ، وَيُعْلَمَ أَنَّ الشَّاهِدَ بِالْقِيمَةِ شَهَادَتُهُ تَابِعَةٌ لِتَقْوِيمِهِ، وَتَقْوِيمُهُ حَدْسٌ مِنْهُ جَدِيدٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ يَتَغَيَّرُ حَدْسُهُ بِخِلَافِ الْأُمُورِ الْمَعْلُومَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْخَارِجِ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ، وَشَهَادَتُهُ بِهَا تَابِعَةٌ لَهَا، وَلِهَذَا الْمُجْتَهِدُ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ يَعْمَلُ بِالثَّانِي، وَلَا يَصِيرُ كَمَا لَوْ حَصَلَ تَعَارُضُ الْأَمَارَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَالتَّقْوِيمُ كَالِاجْتِهَادِ سَوَاءٌ.

فَإِنْ قَالَ شَاهِدُ الْقِيمَةِ: أَنَا أَعْلَمُ الْآنَ لَوْ قَوَّمْتهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ لَقَوَّمْتهَا بِأَزْيَدَ. قُلْنَا: ظَنٌّ مِنْك الْآنَ عَلَى تَقْدِيرٍ لَا يُدْرَى لَوْ كَانَ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ كَيْفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>