للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيِّنَةُ قَدِيمِ الْمِلْكِ أَوْلَى فَقَدْ تَعَارَضَتَا مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ زَيْدٍ قَائِمَةٌ حِينَ التَّنَازُعِ، وَإِنْ قُلْنَا: هُمَا سَوَاءٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا بِلَا إعَادَةٍ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ قَائِمَةٌ بِحَالِهَا، وَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِحَقٍّ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ الْحَاكِمُ لِلْبَحْثِ، فَإِذَا بَحَثَ لَمْ تُجَدَّدْ الشَّهَادَةُ كَذَلِكَ هَهُنَا.

وَالثَّانِي: لَا يُقْطَعُ التَّعَارُضُ إلَّا بِالْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى لَمْ تَقَعْ الْمُقَابَلَةُ حِينَ التَّنَازُعِ وَالْجُرْجَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُصَرِّحٌ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الدَّاخِلَ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا لِلْخَارِجِ يُنْقَضُ الْحُكْمُ فَيُرَدُّ إلَيْهِ جَازِمًا بِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ، وَإِنَّمَا حَكَى الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَتِنَا الْمَذْكُورَةِ الَّتِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فِيهَا مِنْ ثَالِثٍ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُمَا مُتَعَارِضَتَانِ إذَا قُلْنَا: بَيِّنَةُ الْمِلْكِ الْقَدِيمِ أَوْلَى لَعَلَّهُ اخْتِيَارُهُ، فَإِنَّ لِلْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ أَسْبَقَ تَارِيخًا بِلَا يَدٍ، وَلِلْآخِرِ بَيِّنَةٌ مُتَأَخِّرَةٌ، وَيَدٌ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا تَقْدِيمُ الْيَدِ.

وَالثَّانِي السَّبْقُ، وَالثَّالِثُ يَتَعَارَضَانِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ إذَا قُلْنَا: هُمَا سَوَاءٌ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهِمَا، أَوْ لَا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ مَا إذَا أَقَامَ الدَّاخِلُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحُكْمِ لِلْخَارِجِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي الَّذِي حَكَاهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّعَارُضُ إلَّا بِالْإِعَادَةِ لَوْ لَمْ تَحْصُلْ الْإِعَادَةُ هَلْ نَقُولُ إنَّهَا تُنْزَعُ بِمُقْتَضَى الْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارَضَةِ، أَوْ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ، فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَكَانَ هَذَا خُصُومَةً جَدِيدَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّاخِلُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الِانْتِزَاعِ مِنْهُ فَإِنَّهُ كَالِاسْتِدْرَاكِ لِمَا فَاتَهُ.

فَإِنْ صَحَّ هَذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَنَّا إذَا قَضَيْنَا لِشَخْصٍ بِبَيِّنَةٍ، وَانْتَزَعْنَا الْعَيْنَ مِنْ الَّتِي هِيَ فِي يَدِهِ ثُمَّ جَاءَ أَجْنَبِيٌّ يَدَّعِيهَا عَلَى مَنْ حُكِمَ لَهُ بِهَا، وَأَقَامَ بَيِّنَةً لَا تَكُونُ مُعَارِضَةً لِلْأُولَى بِمُجَرَّدِهَا بَلْ إنْ شَهِدَتْ بِهَذَا الْمُدَّعَى بِالْمِلْكِ الْآنَ، وَلَمْ تُعَارَضْ قَضَى لَهُ، وَإِنْ عُورِضَتْ فَكَتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ، فَإِنْ أَسْنَدَتْ الْمِلْكَ إلَى مَا قَبْلَ الْحُكْمِ لَهُ فَهُوَ مَحَلُّ كَلَامِ الْجُرْجَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي شَهِدَتْ بِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُدَّعَى مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْحُكْمِ إنْ كَانَتْ لِمَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ يُقْضَى بِهَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ خِلَافًا لِلْقَاضِي الْحُسَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ لِأَجْنَبِيِّ فَفِي الْقَضَاءِ بِهَا، وَجْهَانِ.

وَهَلْ الْأَصَحُّ مِنْهُمَا الْقَضَاءُ، أَوْ لَا إنْ أَخَذْنَا بِإِطْلَاقِ التَّرْجِيحِ بِالْيَدِ فَلَا يُقْضَى؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَحْكُومَ لَهُ الْآنَ صَاحِبُ يَدٍ، وَإِنْ خَصَّصْنَا تَكُونُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ أَسْنَدَتْ الْمِلْكَ إلَى مَا قَبْلَ هَذِهِ فَتَصِيرُ كَاَلَّتِي كَانَتْ فِي يَدِهِ فَيُقْضَى لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنَّ الْمَأْخَذَ هُنَا بِبَيِّنَةٍ بِالْيَدِ السَّابِقَةِ، وَهَذَا الْمَأْخَذُ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا نَعَمْ هُنَا تَرْجِيحٌ آخَرُ، وَهُوَ سَبْقُ التَّارِيخِ لَكِنَّ هَذَا السَّبَقَ يُعَارَضُ فِيهِ بِبَيِّنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا، وَجْهَ لِلتَّرْجِيحِ بِهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>