للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّفْظِ، وَتَكُونُ " أَوْ " بَاقِيَةً عَلَى حَالِهَا مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ، وَلَيْسَتْ لِلْإِضْرَابِ. وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ كَلَامُ سِيبَوَيْهِ.

وَمَنْ ادَّعَى مِنْ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ سِيبَوَيْهِ جَعَلَهَا لِلْإِضْرَابِ فَدَعْوَاهُ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْإِضْرَابِ أَنَّهُ أَضْرَبَ عَنْ الْجَزْمِ بِالنَّهْيِ عَنْ الْأَوَّلِ. وَأَرْدَفَهُ بِأَوْ الدَّالَّةِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ لَا عَنْ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ وَلَا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ. وَيَكُونُ مُرَادُ سِيبَوَيْهِ بِانْقِلَابِ الْمَعْنَى انْقِلَابَهُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى النَّهْيِ عَنْ أَحَدِهِمَا وَكَوْنُ " أَوْ " لِلْإِضْرَابِ لَمْ يَضْرِبْ بِهِ سِيبَوَيْهِ لَكِنَّ فِي وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ فِي تِلْكَ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَ وَالنَّهْيُ خَاصَّةٌ وَأَنَّهُ إضْرَابٌ عَنْ الْجَزْمِ بِالْأَوَّلِ إلَى التَّخْيِيرِ عَيْنُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ بَلْ أَقُولُ يُمْكِنُ طَرْدُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ وُجُوهِهَا الَّتِي ذَكَرَهَا النُّحَاةُ مِنْ الشَّكِّ وَالْإِبْهَامِ. وَالتَّخْيِيرِ وَالْإِبَاحَةِ فَإِنَّ الَّتِي لِلشَّكِّ أَوْ الْإِبْهَامِ الْخَبَرُ فِيهَا بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَاَلَّتِي لِلتَّخْيِيرِ أَوْ الْإِبَاحَةِ الْأَمْرُ أَوْ النَّهْيُ فِيهَا لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ كَلَامِ النُّحَاةِ خَبْطٌ فِي ذَلِكَ حَتَّى مَثَّلَ بَعْضُهُمْ الَّتِي لِلْإِبْهَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا} [يونس: ٢٤] كَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ هَذَا خَبَرٌ مَاضٍ وَإِنَّمَا هُوَ جَاءَ فِي ضِمْنِ مَثَلٍ مَفْرُوضِ الْوُقُوعِ إمَّا فِي اللَّيْلِ وَإِمَّا فِي النَّهَارِ.

وَاتَّفَقَ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّ الَّذِي لِلْإِبَاحَةِ إذَا كَانَتْ فِي النَّهْيِ اقْتَضَتْ كُلًّا مِنْهُمَا وَاخْتَلَفُوا فِي الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ. فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ بِذَلِكَ أَيْضًا وَخَالَفَ ابْنُ كَيْمَانَ فَقَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ وَأَنْ يَكُونَ عَنْ الْجَمِيعِ. فَإِذَا قُلْت: لَا تَأْخُذْ دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا جَازَ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا عَنْ أَحَدِهِمَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ عُصْفُورٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الَّتِي لِلْإِبَاحَةِ وَاَلَّتِي لِلتَّخْيِيرِ صُورَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَيَخْتَلِفَانِ بِمَا يُرِيدُهُ الْمُتَكَلِّمُ وَبِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ. فَحَيْثُ أُرِيدَ الْمَنْعُ مِنْ الْجَمِيعِ فَهِيَ الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ؛ وَحَيْثُ أُرِيدَ الْمَنْعُ مِنْ الْخُلُوِّ فَهِيَ الَّتِي لِلْإِبَاحَةِ. فَالْمَقْصُودُ فِي التَّخَيُّرِيَّةِ إبَاحَةُ وَاحِدٍ لَا غَيْرُ، وَالْمَقْصُودُ فِي الْإِبَاحِيَّةِ إبَاحَةُ ذَلِكَ الْجِنْسِ. وَتُسَمَّى الْأُولَى عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ مَانِعَةَ الْجَمْعِ وَتُسَمَّى الثَّانِيَةُ مَانِعَةَ الْخُلُوِّ إنْ قَصَدَ إبَاحَةَ ذَلِكَ الْجِنْسِ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ تُقْصَدُ إبَاحَةُ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ فِيهَا مَنْعٌ أَصْلًا. إذَا عَرَفْت هَذَا جِئْنَا إلَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَالْمَعْنَى مَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ: الْمَسِيسُ أَوْ الْفَرْضُ، فَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَالْجُنَاحُ مَوْجُودٌ. وَالْحُكْمُ عَلَى نَفْيِهِ وَيَكُونُ الْجُنَاحُ عِنْدَ الْمَسِيسِ كُلَّ الْمَهْرِ، وَعِنْدَ الْفَرْضِ وَالطَّلَاقِ نِصْفَهُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْآيَةِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَاكْتَفَى فِي الْمَسِيسِ بِالْمَفْهُومِ.

هَذَا إنْ عُطِفَتْ (أَوْ تَفْرِضُوا) عَلَى (تَمَسُّوهُنَّ) وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ وَيَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>