للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ قُصِدَ فِيهِ التَّوَصُّلُ إلَى أَصْلِيٍّ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ حَرَامًا فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ خَلَاصٌ عَنْ الْحَرَامِ لَا حَرَامٌ فَزِيَادَةُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي الرِّبَا حَرَامٌ فَقَصْدُهَا بِالطَّرِيقِ الْحَرَامِ حَرَامٌ، وَبِالطَّرِيقِ الْحَلَالِ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ مُرَاغَمَةَ الشَّارِعِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ التَّعَدِّي فِي السَّبْتِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِعِ مَنْعُهُمْ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الصَّيْدِ يَوْمَ السَّبْتِ، وَمَا فَعَلُوهُ طَرِيقٌ إلَى هَذَا الْمَقْصُودِ، وَالتَّوَصُّلُ إلَى اسْتِبَاحَةِ بُضْعِ الْمَرْأَةِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ لَيْسَ بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ الزِّنَا

وَأَمَّا الْوَطْءُ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ فَهُوَ حَلَالٌ فَلَيْسَ مَا قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ صَحِيحًا مِنْ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ حِيلَةٌ إلَى مُحَرَّمٍ فَقَدْ خَفِيَ عَلَى ابْنِ حَزْمٍ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ أَعَمَّ، وَتَحْتَهُ صُورَةٌ خَاصَّةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَصُورَةٌ خَاصَّةٌ مُبَاحَةٌ فَلَا يُوصَفُ الْأَعَمُّ بِالتَّحْرِيمِ، وَلَا الْمُتَوَصِّلُ إلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ مُتَحَيِّلًا عَلَى الْحَرَامِ، وَالزِّيَادَةُ فِي عُقُودِ الرِّبَا مُحَرَّمَةٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ زِيَادَةٌ فَمَتَى قَصَدَهَا بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ فَقَدْ تَحَيَّلَ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَعَلَهَا بِالطَّرِيقِ الْمُحَرَّمَةِ كَانَ حَرَامًا بِلَا إشْكَالٍ، وَإِنْ فَعَلَهَا بِغَيْرِهِ كُرِهَ لِقَصْدِهِ، وَلَمْ يُحَرَّمْ؛ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الْمُحَرَّمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كَتَبَ فِي التَّارِيخِ الْمَذْكُورِ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَك صِحَّةَ مَا قُلْنَاهُ فِي الْمُعَامَلَةِ أَنَّا لَمْ نَرَ أَحَدًا يَحْرِصُ عَلَى دَفْعِ مَالِ الْيَتِيمِ بِذَلِكَ إلَّا قَلِيلًا بَلْ الْغَالِبُ أَنَّ الْغَرَضَ يَكُونُ لِلطَّالِبِ، وَيَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ، وَيَأْتِي بِالشَّفَاعَاتِ، وَبِالْجَاهِ لِيَأْخُذَ مِنْ مَالِ الْأَيْتَامِ، وَيَقْتَرِنُ بِهِ أَيْضًا غَرَضٌ لِدِيوَانِ الْأَيْتَامِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ رُبْعَ الْفَائِدَةِ فَلِلدِّيوَانِ، وَالطَّالِبِ غَنْمٌ بِلَا غُرْمٍ، وَلِلْيَتِيمِ الْمِسْكِينِ الْآنَ غُرْمٌ مُحَقَّقٌ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجُ مَالِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ، وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَدْرِي هَلْ يَرْجِعُ رَأْسُ مَالِهِ، وَفَائِدَتُهُ فَيَغْنَمُ، أَوْ يَذْهَبُ بَعْضُهُ، أَوْ كُلُّهُ فَيَغْرَمُ. هَذَا حَقِيقَةُ الْحَالِ فَلَا يُغَالِطُ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قَلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَعْلَمُ مِنْهُ مَا لَا يَعْلَمْهُ غَيْرُهُ، وَلَا يَعْلَمُهُ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ فَالْمُحْتَرِزُ فِي دِينِهِ يُرَاجِعُ قَلْبَهُ، فَإِنْ انْشَرَحَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةُ الْيَتِيمِ، وَهُوَ أَحْسَنُ، وَخَلُصَتْ نِيَّتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ فَعَلَهُ، وَإِلَّا فَيَتْرُكُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كَتَبَ فِي تَارِيخِهِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ، وَأَرْبَعِينَ، وَسَبْعِمِائَةٍ: وَمِنْ أَغْرَبِ الْوَقَائِعِ الَّتِي، وَقَعَتْ أَنَّ كَبِيرًا طَلَبَ فِي مِصْرَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ فَأُعْطِيَهُ، وَرَدَّهُ عَنْ قُرْبٍ، وَصَارَ يُثْنِي عَلَى الدَّافِعِ الَّذِي هُوَ نَاظِرُ الْأَيْتَامِ، وَحَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ حُظْوَةٌ ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَّ هَذَا الْكَبِيرَ فِي الشَّامِ طَلَبَ هَذَا الْقَدْرَ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَدُفِعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جُرِّبَتْ مُعَامَلَتُهُ، وَحُمِدَتْ فَمَاطَلَ بِهِ مُدَّةً، وَحَصَلَ التَّعَبُ مَعَهُ فَقُلْت فِي نَفْسِي: كَانَ الدَّفْعُ الْأَوَّلُ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَتَبَيَّنَ بِآخِرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>