وَيَقُولُ: الْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ الثَّانِي مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ صِحَّةِ الْقَبْضِ عِنْدَ الْإِبْرَاءِ الصَّحِيحِ، لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةَ الصَّحِيحَةَ لِمَا سَبَقَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْبَغَوِيِّ حَيْثُ لَمْ يَحْكِ كَلَامَ الْمُزَنِيِّ، وَاسْتَرَاحَ مِنْ هَذَا الصُّدَاعِ، فَإِنْ قُلْت: قَالَ الْبَغَوِيّ، وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا قَالَ: بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَك، أَوْ تَشْتَرِيَ مِنِّي دَارِي لَا يَصِحُّ أَمَّا الْبَيْعُ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ بِبَيْعِهِ عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا قُلْتُمُوهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا أَبْرَأَ إبْرَاءً مُسْتَقِلًّا ظَانًّا صِحَّةَ الشَّرْطِ يَصِحُّ.
قُلْت: الْمُخْتَارُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الصِّحَّةُ أَيْضًا، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْإِمَامُ، وَشَيْخُهُ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَلَيْسَ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ عَلَى مَا إذَا بَاعَ مُجِيبًا لَا مُسْتَقِلًّا كَمَا صَوَّرْنَاهُ فِي الْكِتَابَةِ، وَيُرْشِدُ إلَى هَذَا أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ «نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا وَرَدَ الْعَقْدَانِ فِي صُورَةِ عَقْدٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا وَرَدَ مُنْفَصِلًا عَنْهُ فَلَا لَكِنْ سَأُنَبِّهُ عَلَى أَنَّ فِي كَلَامِهِ مَا يَرُدُّ هَذَا الْحَمْلَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ تَكَلَّمَ الشَّافِعِيُّ فِيهَا، وَالْأَصْحَابُ مُفَسِّرِينَ لِلْحَدِيثِ بِتَفْسِيرَيْنِ، هَذَا أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك دَارِي هَذِهِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي عَبْدَك هَذَا بِأَلْفٍ إذَا وَجَبَتْ لَك دَارِي، وَجَبَ لِي عَبْدُك فَهَذَا بَيْعٌ بَاطِلٌ فِي الْعَقْدَيْنِ، هَذِهِ عِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ حُكْمًا، وَتَصْوِيرًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّصْوِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُكَاتَبِ. وَعِبَارَةُ الْبَغَوِيِّ التَّفْسِيرُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي، أَوْ تَشْتَرِيَ مِنِّي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَلْفَ، وَرَفَقَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ ثَمَنًا، فَإِذَا بَطَلَ الشَّرْطُ بَطَلَ، أَمَّا الْبَيْعُ الثَّانِي إنْ كَانَا عَالِمَيْنِ بِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ بِبَيْعِهِ عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ. هَذِهِ عِبَارَتُهُ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى مَا قُلْنَاهُ.
وَالْإِمَامُ قَالَ فِي بَابِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَقَوْلُهُ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ قَالَ الْإِمَامُ يَعْنِي الْبَيْعَ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ الْبَيْعُ، وَهَذَا خَارِجٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّرَائِطِ الْفَاسِدَةِ، أَمَّا الْبَيْعُ الثَّانِي إنْ اتَّفَقَ جَرَيَانُهُ خَلِيًّا عَنْ شَرْطٍ فَهُوَ صَحِيحٌ، فَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ: إنَّ الشَّافِعِيَّ يَعْنِي الْبَيْعَ الْأَوَّلَ فَمَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَقْدَيْنِ جَمِيعًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا صَوَّرْنَاهُ، وَبِذَلِكَ يُسَمَّى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.
أَمَّا إذَا وَجَدْنَا الْبَيْعَ الثَّانِيَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا يُسَمَّى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَيَكُونُ فَسَادُ الْأَوَّلِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَا بِدُخُولِهِ تَحْتَ مَوْرِدِ النَّصِّ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ الثَّانِي الْمُنْقَطِعُ عَنْ الْأَوَّلِ مَعَ الْأَوَّلِ دَاخِلَيْنِ تَحْتَ مَوْرِدِ النَّصِّ لَفَسَدَ الثَّانِي، وَلَوْ عَلِمْنَا فَسَادَ الْأَوَّلِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ نَعَمْ إذَا أَتَى بِهِ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ، وَاحِدٍ فَسَدَا جَمِيعًا سَوَاءً عَلِمَا فَسَادَ الْأَوَّلِ، أَوْ جَهِلَا فَافْهَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute