للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: وَاَلَّذِي جَرَى أَكْثَرُهُمْ بِهِ الْآنَ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ إقْرَارَ الْوَاقِفِ بِذَلِكَ، وَالْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ فَإِقْرَارُهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّ الَّذِي يَرَى إبْطَالَهُ، وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى غَيْرُ مَسْأَلَتِنَا، وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ حَاكِمٌ حَكَمَ وَلَكِنَّ الْمُقِرَّ بِالْوَقْفِ أَقَرَّ أَنَّ حَاكِمًا حَكَمَ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ عَنْ كُتُبِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذِبًا لَا بَأْسَ بِهِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ: إذَا خَافَ الْوَاقِفُ أَنْ يُبْطِلَ الْقَاضِي وَقْفَهُ كَتَبَ فِي صَكِّ الْوَقْفِ: أَنَّهُ قَضَى بِهِ قَاضٍ؛ وَهَذَا لِأَنَّ التَّصَرُّفَ وَقَعَ صَحِيحًا، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ رُبَّمَا يُبْطِلُهُ فَالْوَاقِفُ تَحَرَّزَ مِنْ الْإِبْطَالِ بِالْكِتَابَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا يَكُونُ بِهِ بَأْسٌ.

قُلْت: وَنَحْنُ لَا نَعْتَقِدُ جَوَازَ هَذَا فَإِنَّهُ كَذِبٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ، وَإِذَا وَقَعَ وَعَلِمَ بِهِ فَلَا يَمْنَعُ النَّقْضَ كَمَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ، وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْ بِهِ فَإِنَّا نُؤَاخِذُهُ بِذَلِكَ وَلَيْسَ لِحَاكِمٍ أَنْ يَرْفَعَ هَذِهِ الْمُؤَاخَذَةَ حَتَّى يَعْلَمَ بُطْلَانَ إقْرَارِهِ، وَقَدْ كَانَتْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُوَرِّقِينَ فِي الزَّمَانِ الْمُتَوَسِّطِ يَكْتُبُونَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ بِالْوَقْفِ الْإِقْرَارَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ وَرَأَيْت ذَلِكَ فِي كَتْبِ الشُّرُوطِ، وَفِي اتِّفَاقِهِمْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِيهِ فَائِدَةً فَيُحْمَلُ كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ عَلَى مَا إذَا عَلِمْنَا كَذِبَ الْإِقْرَارِ، وَنَحْنُ نُوَافِقُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ النَّقْضَ.

وَقَدْ صَرَّحَ هَذَا الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ يَوْمَ الْإِقْرَارِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي يَدِهِ، وَأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ، وَذَلِكَ يَكْفِينَا فِي أَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ، وَمِنْهَا أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمُوجَبِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقِرِّ خَاصَّةً وَأَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ يُلْقَى عَنْهُ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْمَلُ اعْتِقَادُ الْمُوَرِّثِ لَوْ كَانَ الِانْتِقَالُ عَنْهُ بِأَمْرٍ اخْتِيَارِيٍّ.

قُلْت: وَالْإِقْرَارُ اخْتِيَارِيٌّ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي هَذَا، وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: الْقَضَاءُ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ قَضَاءٌ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمُقْتَضَى عَلَيْهِ فَلَا يَرْتَفِعُ بِهِ خِلَافٌ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَجُوزَ نَقْضُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ نَقْصًا لِلْحُكْمِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُجَوِّزَهُ فَيَرْتَفِعَ الْخِلَافُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ شَرَطَ الْحُكْمَ الَّذِي لَا يُنْقَضُ أَنْ يَقْصِدَ بِقَضَائِهِ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ فَلَوْ قَضَى بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ يَقْصِدُ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ فَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَهُمْ: الْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْفُذُ، وَالْفَتْوَى عِنْدَهُمْ عَلَى عَدَمِ النَّفَاذِ.

وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَمَثَّلُوا ذَلِكَ بِالْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ إذَا قَضَى بِهَا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ، وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ مَسْأَلَتَنَا فِيمَنْ حَكَمَ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْقَضَاءُ عَامَّةً كَنَفَقَةِ الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي حَالِ حُضُورِهِ أَمَّا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>