{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا} [النساء: ٥١] وَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ كَانَ قَدِمَ إلَى مَكَّةَ وَرَثَى قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَحَرَّضَ الْكُفَّارَ عَلَى الْأَخْذِ بِثَأْرِهِمْ وَغَزْوِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلَهُ فِي ذَلِكَ أَشْعَارٌ، فَسَأَلُوهُ مَنْ أَهْدَى سَبِيلًا: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ هُمْ؟ فَقَالَ أَنْتُمْ كَذِبًا مِنْهُ وَضَلَالَةً. فَتِلْكَ الْآيَةُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي تِلْكَ الْمَقَالَةِ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ يَجِدُونَ عِنْدَهُمْ فِي كِتَابِهِمْ نَعْتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِفَتَهُ وَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ الْمَوَاثِيقَ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ وَأَخَذَ أَنْبِيَاؤُهُمْ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوا ذَلِكَ وَأَنْ يَنْصُرُوهُ، وَكَانَ ذَلِكَ أَمَانَةً لَازِمَةً لَهُمْ فَلَمْ يُؤَدُّوهَا وَخَانُوا فِيهَا، وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا أَنَّ قِصَّةَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ كَانَتْ عَقِبَ بَدْرٍ، وَنُزُولَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} [النساء: ٥٨] فِي الْفَتْحِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَبَيْنَهُمَا نَحْوَ سِتِّ سِنِينَ، لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اتِّحَادُ الزَّمَانِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الزَّمَانِ فِي سَبَبِ النُّزُولِ. وَأَمَّا الْمُنَاسِبُ فَلَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا بَيَانُ سَبَبِ وَضْعِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَالْآيَاتُ كَانَتْ تَنْزِلُ عَلَى أَسْبَابِهَا وَيَأْمُرُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَضْعِهَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهَا مَوَاضِعُهَا بِحُكْمٍ وَإِبْرَازٍ مِنْهَا مَا يَظْهَرُ ظُهُورًا قَوِيًّا لِلْعِبَادِ، وَمِنْهَا مَا قَدْ يَخْفَى وَمِنْهَا مَا يَظْهَرُ ظُهُورًا غَيْرَ قَوِيٍّ وَذَلِكَ كَاسْتِنْبَاطِ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ؛ وَمِنْ جُمْلَةِ الْمُنَاسَبَةِ أَيْضًا أَنَّهُ لَمَّا تَوَعَّدَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَوَعَدَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ عَلَى مَا أَمَرَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute