للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُعَامَلَةِ فِي النَّخْلِ فَكَانَتْ قِيَاسًا لَا مَتْبُوعَةً مَقِيسًا عَلَيْهَا، فَإِنْ قَالَ: كَيْفَ تُشَبِّهُ الْمُضَارَبَةَ بِالْمُسَاقَاةِ قِيلَ: النَّخْلُ قَائِمَةٌ لِرَبِّ الْمَالِ دَفَعَهَا أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا الْمُسَاقِي عَمَلًا يُرْجَى صَلَاحُ ثَمَرَتِهَا عَلَى أَنَّ لَهُ بَعْضَهَا فَلَمَّا كَانَ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ قَائِمًا لِرَبِّ الْمَالِ فِي يَدَيْ مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ يَعْمَلُ عَمَلًا يَرْجُو بِهِ الْفَضْلَ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَعْضُ ذَلِكَ الْفَضْلِ عَلَى مَا تَشَارَطَا عَلَيْهِ فَكَانَ مِثْلَ مَعْنَى الْمُسَاقَاةِ، فَإِنْ قَالَ: فَلِمَ لَا يَكُونُ هَذَا فِي الْأَرْضِ قَبْلَ الْأَرْضِ لَيْسَتْ بِاَلَّتِي تَصْلُحُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْفَضْلُ إنَّمَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَائِمٍ يُبَاعُ وَيُؤْخَذُ فَضْلُهُ كَالْمُضَارَبَةِ وَلَا شَيْءَ مُثْمِرٌ بَالِغٌ فَيُؤْخَذُ ثَمَرُهُ كَالنَّخْلِ.

وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَحْدُثُ فِيهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ لَا فِي مَعْنَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا عَلَيْهِمَا، وَهُوَ مُفَارِقٌ لَهُمَا فِي الْمُبْتَدَأِ، أَوْ الْمُتَعَقِّبِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا مَا جَازَ أَنْ يُقَاسَ شَيْءٌ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْت عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يَقُول: «كُنَّا نُخَابِرُ وَلَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى أَخْبَرَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهَا فَتَرَكْنَاهَا لِقَوْلِ رَافِعٍ» .

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُخَابَرَةُ اسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَهْيِهِ عَنْ الْمُخَابَرَةِ عَلَى أَنْ لَا تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى الثُّلُثِ، وَالرُّبْعِ وَلَا عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ وَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ إلَّا مَعْلُومًا وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ، وَالْعَبْدِ، وَمَا يَنْبُتُ مِنْ الْأَرْضِ، أَوْ عَلَى صِفَةٍ تُسَمِّيهِ كَمَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْمَنَازِلِ وَإِجَارَةُ الْعَبِيدِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

فَأَمَّا وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالسُّنَنِ كُلِّهَا، وَأَنْ لَا تَرُدَّ إحْدَى السُّنَّتَيْنِ الْأُخْرَى فَصَحِيحٌ، وَذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، أَمَّا الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الْمُضَارَبَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ فَصَحِيحٌ، أَمَّا قَطْعُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ فَصَحِيحٌ، وَإِنَّ كَمَالَ الْمُشَابَهَةِ الَّتِي بَيْنَ الْمُضَارَبَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ لَمْ تُوجَدْ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ وَلَكِنْ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُهَا فَلَوْ لَمْ يَرِدْ نَهْيٌ عَنْهَا لَكَانَ لِإِلْحَاقِهَا بِهَا وَجْهٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُشَابَهَةِ فِي الْقِيَاسِ تَمَامُ الْمُشَابَهَةِ وَلَا نَكْتَفِي بِأَدْنَاهَا بَلْ نَعْتَبِرُ مَا يُشِيرُ إلَى الْمَأْخَذِ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ وَحَرْفُ الْمَسْأَلَةِ تَحْقِيقُ النَّهْيِ عَنْ الْمُزَارَعَةِ.

وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ خَدِيجٍ وَعَلَيْهِ بَنَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ أَثَبَتَ، أَوْ لَمْ يَثْبُتْ فَمَا نَصْنَعُ بِالْمُزَارَعَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي خَيْبَرَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ عَامَلَهُمْ عَلَى شَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ فَنَحْنُ نَقْطَعُ بِصِحَّةِ تِلْكَ الْمُزَارَعَةِ، وَغَايَةُ مَا يَتَعَذَّرُ بِهِ الْمَانِعُونَ مِنْ الْمُزَارَعَةِ أَنْ يَقُولُوا: إنَّ تِلْكَ الْمُزَارَعَةَ كَانَتْ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مَتَى جَازَ شَيْءٌ، فَإِنَّ الْجَوَازَ يَكُونُ أَصْلًا فِيهِ وَلَا نَقُولُ: إنَّهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَهَهُنَا مَعَنَا دَلِيلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>