وَأَوْرَاقُهَا ظَاهِرَةٌ يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهَا كَثِمَارِ النَّخْلِ، أَمَّا الْبُقُولُ، وَالزُّرُوعُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ ثَابِتٌ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْمُسَاقَاةِ اسْتِحْقَاقُ الْعَامِلِ جُزْءًا مِنْ نَمَاءِ الْأَصْلِ وَهَلْ يَجُوزُ الْخَرْصُ فِي الْمُسَاقَاةِ كَالزَّكَاةِ.
أَمَّا الزَّكَاةُ فَلَا خِلَافَ فِيهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْخَرْصَ غَيْرُهُ، أَوْ تَضْمِينٌ وَلَكِنْ فِي الْمُسَاقَاةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِحَدِيثِ ابْنِ رَوَاحَةَ.
وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ، وَالْحَدِيثُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُعَامَلَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ وَيُعْفَى فِي الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالْقَوْلَانِ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَا عَدَا الْكَرْمَ، وَالنَّخْلَ سِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي جَوَازِ الْخَرْصِ فِي الْكَرْمِ، وَالنَّخْلِ فِي الْمُسَاقَاةِ إنْ جَوَّزْنَا لَمْ تَجُزْ الْمُسَاقَاةُ فِيمَا عَدَاهُمَا مِنْ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا وَإِلَّا جَازَ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ فِي الْمُسَاقَاةِ فَاسْتَوَى فِيهَا مَا يُخْرَصُ مِنْ الْأَشْجَارِ، وَمَا لَا يُخْرَصُ.
وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَهُنَا أَرْبَعَةُ عُقُودٍ مُتَقَارِبَةٍ فِي الصُّورَةِ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْحُكْمِ: الْقِرَاضُ، وَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَانِ، وَالْمُخَابَرَةُ، وَالْمُزَارَعَةُ بَاطِلَتَانِ فَالْمُزَارَعَةُ عَلَى صُورَةِ الْمُسَاقَاةِ غَيْرَ أَنَّا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا بِالسُّنَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ نَرُدَّ إحْدَى سُنَّتَيْهِ بِالْأُخْرَى أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ هُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْجَوَازِ، وَالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقَدَ عَلَى الْعَمَلِ فِي الشَّيْءِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّا اتَّبَعْنَا فِيهَا السُّنَّةَ، وَالسُّنَّةُ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا فَوَرَدَتْ فِي الْمُسَاقَاةِ بِالْجَوَازِ فَجَوَّزْنَاهَا ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْمُسَاقَاةِ شَبَهٌ بِالْعُقُودِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا الْتِزَامُ عَمَلٍ عَلَى الذِّمَّةِ وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْعَامِلِ كَمَا لَا يَبْطُلُ السَّلَمُ بِمَوْتِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ بَيْعِ الْعَيْنِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ بِعِوَضٍ عَلَى الْعَمَلِ أَخَذَتْ شَبَهًا مِنْ الْإِجَارَةِ فَاشْتُرِطَ فِيهَا التَّأْقِيتُ، وَالْقَدْرُ الَّذِي يُوَقَّتُ بِهِ.
هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَنَحْنُ نُوَافِقُهُ عَلَيْهِ إلَّا فِي اللُّزُومِ وَاشْتِرَاطِ التَّأْقِيتِ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ شَبَهِهَا بِالْإِجَارَةِ أَنْ تُعْطَى جَمِيعَ أَحْكَامِهَا، وَقَوْلُهُ: إنَّهَا الْتِزَامُ عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ يُمْكِنُ أَنْ يُنَازَعَ فِيهِ وَيُقَالُ: إنَّهَا إذْنٌ كَالْجَعَالَةِ وَلَيْسَتْ بِالْتِزَامٍ وَاَلَّذِي يَقُولُ بِأَنَّهَا جَائِزَةٌ لَازِمَةٌ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ وَيُسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ حَمْلِ قَوْلِهِ: «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ» عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِذَلِكَ الزَّمَانِ بَلْ يَكُونُ حُكْمًا ثَابِتًا فِي كُلِّ زَمَانٍ فَالْقَائِلُ بِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهَذَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ سِنِينَ وَأَنَا أَقُولُ بِهَذَا فَأَقُولُ يَجُوزُ التَّأْقِيتُ، وَالْإِطْلَاقُ أَمَّا التَّأْقِيتُ فَلِشَبَهِهَا بِالْإِجَارَةِ، أَمَّا الْإِطْلَاقُ فَلِشَبَهِهَا بِالْقِرَاضِ وَعَمَلًا بِالْحَدِيثِ، أَمَّا اللُّزُومُ فَلَا يَثْبُتُ أَصْلًا وَلَا يَأْخُذُ مِنْ الْإِجَارَةِ حُكْمًا مِنْهُ لِمُصَادَمَةِ الْجَوَازِ الْمُقَابِلِ لِلُّزُومِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فَأَلْحَقْنَاهَا بِالْقِرَاضِ فِي ذَلِكَ وَحَقِيقَتُهَا تَوْكِيلٌ بِجُعْلٍ. وَجَعَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute