وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ الْأَصَمُّ.
وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ رَافِعٍ، وَقَالَ آخَرُونَ جَائِزٌ بِكُلِّ مَعْلُومٍ.
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ رَافِعٍ رِوَايَةَ حَنْظَلَةَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكَلِ الْآثَارِ حَدِيثَ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ تُرَدُّ نَفَقَتُهُ» قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَعَلَّقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ بِهِ غَيْرُ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ فَأَمَّا مَنْ سِوَاهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ عِنْدَنَا قَوْلٌ حَسَنٌ لِمَا قَدْ شَدَّهُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا وَلِأَنَّ بَذْرَ ذَلِكَ الرَّجُلِ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ قَدْ انْقَلَبَ فِيهَا فَصَارَ مُسْتَهْلَكًا فِيهَا ثُمَّ كَانَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا كَانَ عَنْهُ مِمَّا هُوَ خِلَافُهُ، وَمَا كَانَ سَبَبُهُ إلَّا الْأَرْضَ الَّتِي كَانَ بَذَرَ فِيهَا فَكَانَ مِنْ حَقِّ رَبِّهَا أَنْ يَقُولَ لِلَّذِي بَذَرَ فِيهَا مَا كَانَ سَبَبُهُ الْأَرْضَ فَهُوَ لِي دُونَك غَيْرَ أَنَّك أَنْفَقْتَ فِيهِ نَفَقَةً حَتَّى كَانَ عَنْهَا مَا أَخْرَجَتْهُ أَرْضِي فَتِلْكَ النَّفَقَةُ لَك فَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ لَا يَنْبَغِي خِلَافُهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَدَّهُ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَتْلُو هَذَا الْبَابَ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَرْعِ ظُهَيْرٍ ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ هَذَا مِنْ جِنْسِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْمُزَارَعَةَ لَمَّا فَسَدَتْ بِمَا فَسَدَتْ بِهِ عَادَ إطْلَاقُ صَاحِبِ الْأَرْضِ لِلزَّارِعِ مَا زَرَعَهُ فِيهَا كَالْإِطْلَاقِ وَعَادَ حُكْمُهُ إلَى حُكْمِ مَنْ زَرَعَهَا بِغَيْرِ أَمْرِ رَبِّهَا وَمِثْلُ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَغْرِسُ أَرْضَ الرَّجُلِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، أَوْ يَغْرِسُ فِيهَا بِأَمْرِهِ عَلَى مُعَامَلَةٍ فَاسِدَةٍ فَسِيلًا فَيَصِيرُ نَخْلًا أَنَّهُ يَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ دُونَ غَارِسِهِ وَيَكُونُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لِغَارِسِهِ مَا أَنْفَقَهُ فِيهِ. وَاَللَّهَ أَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ كَوْنِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ إذْنٍ، أَوْ بِإِذْنٍ فَاسِدٍ لِصَاحِبِهَا قَدْ تَرَجَّحَ عِنْدِي اخْتِيَارُهُ لِلْحَدِيثِ وَلِمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى وَلَدِ الْأَمَةِ مِنْ زَوْجٍ، أَوْ وَاطِئٍ بِشُبْهَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لِسَيِّدِهَا، وَالْأَمَةُ كَالْأَرْضِ، وَمَاءُ الزَّوْجِ، وَوَاطِئُ الشُّبْهَةِ كَالْبَذْرِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَالْبَذْرُ مَالٌ، فَإِنْ صَحَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَإِلَّا فَهُمَا سَوَاءٌ.
وَقَدْ زَادَ الطَّحَاوِيُّ بِجَعْلِهِ الْفَسِيلَ إذَا صَارَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَعَلَّ حُجَّتَهُ أَنَّهُ صَارَ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ فَلَهُ حُكْمُهَا وَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْفَسِيلِ الْمُنْفَصِلِ عَنْ الْأَرْضِ بِتَأْثِيرِ الْأَرْضِ فِيهِ وَفِي كَيْفِيَّتِهِ بِخِلَافِ الرُّفُوفِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي الدَّارِ وَنَحْوِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ عَنْ صِفَتِهَا قَبْلَ الِاتِّصَالِ فَلِذَلِكَ لَا يَتَغَيَّرُ مِلْكُهَا، وَإِنْ صَارَتْ كَالْجُزْءِ وَشَارَكَتْ الشَّجَرَ فِي اسْتِتْبَاعِ الْأَرْضِ، وَالدَّارُ لَهُمَا، وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ ظُهَيْرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَالْآخَرُ قَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute