للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِلزِّرَاعَةِ إنْ أَمْكَنَ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْأَرْضِ شَرِقَتْ لَمْ يَنَلْهَا الرَّيُّ وَلَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْبَلَدِ كَامِلَةً.

أَجَابَ هَذِهِ الْعِبَارَةُ جَرَتْ عَادَةُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ الْوَرَّاقِينَ يَكْتُبُونَهَا حِيلَةً لِتَصْحِيحِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ الرَّيِّ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ تَاجَ الدِّينِ بْنَ بِنْتِ الْأَعَزِّ عَلَّمَهَا لَهُمْ، وَقَدْ فَكَّرْت فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَعَ عِلْمِي بِأَنَّ الْقَاضِيَ تَاجَ الدِّينِ مُتَضَلِّعٌ بِفِقْهٍ وَعُلُومٍ مُتَعَدِّدَةٍ مَجْمُوعَةٍ إلَى دِينٍ مَتِينٍ وَصَلَابَةٍ فِي الدِّينِ، وَهُوَ وَوَلَدَاهُ شَامَةُ الْقُضَاةِ الَّذِينَ وُلُّوا الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَجَزَاهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَدِينِهِمْ

وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيِي فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا الْإِيجَارُ لِثَلَاثِ مَنَافِعَ مَشْكُوكٍ فِي الثَّالِثَةِ مِنْهَا إنْ خَصَّصْت الشَّرْطَ بِهَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي هَذَا الْمَكَانِ، أَوْ فِي جَمِيعِهَا إنْ أَعَدْته إلَى الْجَمِيعِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُصُولِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ إمْكَانِ الزَّرْعِ لَا يَكُونُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَشَرْطُ الْإِجَارَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي تُرَدُّ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا مَعْلُومًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَنَبَّهَ الْوَرَّاقُونَ، وَالشُّهُودُ، وَالْقُضَاةُ، وَالنَّاسُ لِذَلِكَ.

وَطَرِيقُ تَصْحِيحِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنْ يُقَالَ لِيَنْتَفِعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِذَلِكَ فِيمَا شَاءَ مَقِيلًا وَمُرَاحًا وَلِلزِّرَاعَةِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِذَا قَالَ كَمَا قُلْنَاهُ لَا يَحْتَاجُ أَنْ نَقُولَ إنْ أَمْكَنَ وَحَذْفُهُ أَوْلَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَالْعِبَارَةِ الْأُولَى إلَّا فِي هَذِهِ عُمُومًا وَهُوَ يَكْفِي كَمَا لَوْ قَالَ لِجَمِيعِ الْمَنَافِعِ، أَوْ لِتَنْتَفِعَ كَيْفَ شِئْت فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَهُ جَمِيعُ الْمَنَافِعِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَرْضِ إنْ عَمَّمَ، وَهُوَ أَوْلَى فَيَقُولُ فِيمَا شَاءَ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعَاتِ، وَإِنْ عَمَّمَ فِي الْمَنَافِعِ الثَّلَاثِ كَانَ مَنْعًا لِغَيْرِهَا وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا وَلَهُ جَمِيعُهَا، وَإِذَا تَعَطَّلَ بَعْضُهَا فَالْأُجْرَةُ لَازِمَةٌ، أَمَّا الْعِبَارَةُ الْأُولَى فَلَا عُمُومَ فِيهَا بَلْ هِيَ نَاصَّةٌ عَلَى ثَلَاثِ مَنَافِعَ إحْدَاهَا، وَهِيَ الزِّرَاعَةُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهَا قَبْلَ الْوُثُوقِ بِالرَّيِّ، وَمَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ وَحْدَهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ مَعَ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ عَلَى الْإِمْكَانِ فَسَدَ لِذَلِكَ، وَإِنْ عَلَّقَهُ فَسَدَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَهَالَةِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ أَفْرَدَ وَعَلَّقَ عَلَى الْإِمْكَانِ فَسَدَ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَوْنُ الْإِجَارَةِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ الرَّيِّ، وَالثَّانِي: تَعْلِيقُهُ عَلَى الشَّرْطِ، وَالْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ بِالْعَقْدِ لَا بُدَّ بِأَنْ تَكُونَ مُخَيَّرَةً مُمْكِنَةً عَقِبَ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) فِي جَامِعِ الصَّالِحِ بِبَابِهِ الشَّرْقِيِّ صَدْرُ زُقَاقٍ وَفِي ذَلِكَ الزُّقَاقِ بَابَانِ مُتَقَابِلَانِ فِي الْحَدَّيْنِ الْقِبْلِيِّ، وَالْبَحْرِيِّ فَأَرَادَ النَّاظِرُ عَلَى الْجِدَارِ الْبَحْرِيِّ أَنْ يَدْعَمَهُ بِأَعْمِدَةٍ يَضَعُ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهَا فِيهِ وَبَعْضَهُ فِي الزُّقَاقِ.

(أَجَابَ) لَا يَجُوزُ بِأُجْرَةٍ وَلَا بِغَيْرِ أُجْرَةٍ ضَيَّقَ، أَوْ لَمْ يُضَيِّقْ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الزُّقَاقَ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ كَانَ مَمَرًّا لِأَصْحَابِ الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ مَمْلُوكًا لَهُمْ فَلَمَّا وَقَفَ صَاحِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>