للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّفْظِ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ يَقْتَضِي دُخُولَهُ فِيهِ فَأَرَدْنَا أَنْ نُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ.

وَالْجَوَابُ: إنَّمَا يَقْتَضِي بَيَانَ الْحُكْمِ وَإِنَّمَا أَرَدْنَا أَنَّ دَعْوَى مَنْ ادَّعَى أَنَّ دَلَالَةَ الْعُمُومِ عَلَى سَبَبِهِ قَطْعِيَّةٌ يُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِيهَا بِالنِّزَاعِ فِي دُخُولِهِ تَحْتَ الْعَامِّ وَضْعًا لَا مُطْلَقًا وَالْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ السَّبَبِ بِدُخُولِهِ فِي ذَلِكَ أَوْ لِخُرُوجِهِ عَنْهُ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، هَذَا فِي السَّبَبِ، أَمَّا الْوَاقِعُ فِي مُنَاسَبَاتِ الْآيَاتِ كَمِثَالِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَضِيَّةُ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ وَارِدٌ بِهَا مِنْ قَوْلِهِ (الْأَمَانَاتِ) لَا شَكَّ فِيهِ لِمَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهُ السَّبَبُ.

وَأَمَّا إرَادَةُ الْيَهُودِ بِأَدَاءِ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْأَمَانَاتِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ كَالسَّبَبِ فَلَا يَخْرُجُ وَيَكُونُ مُرَادًا مِنْ الْآيَةِ قَطْعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَا يَنْتَهِي فِي الْقُوَّةِ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ أَرَادَ غَيْرَهُ؛ وَتَكُونُ الْمُنَاسَبَةُ لِشَبَهِهِ بِهِ وَالْمُنَاسَبَةُ أَقْرَبُ إلَى الْمُشَابَهَةِ، وَلَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَفْرَادِ مَا يُنَاسِبُهُ؛ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَقْرَبُ؛ فَصَارَ لَفْظُ " الْأَمَانَاتِ " تَتَفَاوَتُ دَلَالَتُهُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: إحْدَاهَا قِصَّةُ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ وَدَلَالَتُهُ عَلَيْهَا قَوِيَّةٌ جِدًّا قَطْعِيَّةٌ لِأَنَّ هُنَا اللَّفْظَ فِي الْأَمَانَاتِ مِنْ الْإِيرَادِ بَيَانُ حُكْمِ غَيْرِهِ.

الثَّانِيَةُ الْمُنَاسَبَةُ وَدَلَالَتُهُ عَلَيْهَا دُونَ الْأُولَى وَأَقْوَى مِنْ الْعُمُومِ الْمُجَرَّدِ.

الثَّالِثَةُ مَا سِوَاهُمَا مِنْ الْأَمَانَاتِ وَدَلَالَتُهُ عَلَيْهَا دَلَالَةُ الْعُمُومِ الْمُجَرَّدِ، وَلَا خِلَافَ هُنَا أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى السَّبَبِ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ أَوْ بِخُصُوصِ السَّبَبِ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى الْعُمُومِ، وَهُنَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ وَهِيَ الْعُدُولُ عَنْ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ إلَى الْجَمْعِ، فَإِنَّ سَبَبَ النُّزُولِ أَمَانَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَوْ أُرِيدَتْ وَحْدَهَا لَأَفْرَدَ اللَّفْظَ الدَّالَّ، فَلَمَّا جَمَعَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْعُمُومُ.

نَعَمْ مَنْ يُنْكِرُ الْعُمُومَ مِنْ الْوَاقِفَةِ وَيَقُولُ إنَّ الْعُمُومَ لَا صِيغَةَ لَهُ يَلِيقُ بِهِ التَّوَقُّفُ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى مَا سِوَى السَّبَبِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ التَّوَقُّفُ فِيهِ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعُمُومِ بَلْ لِدَلَالَةِ الْجَوَابِ عَلَى السُّؤَالِ.

(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) : الْحُكْمُ بِأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ لِلْعُمُومِ بِشَرْطِهِ، فَإِذَا وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ مَعْهُودٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِلْعَهْدِ، وَلَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا فِي الْآيَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْمَوَاضِعِ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ الْآنَ مِنْ الْعُدُولِ عَنْ اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ إلَى الْجَمْعِ وَالْمَعْهُودُ مُفْرَدٌ لَا جَمْعٌ فَتَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْهُودِ. فَلِذَلِكَ نَقُولُ إنَّهُ لِلْعُمُومِ.

(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) : فِي كَوْنِ الْعِبْرَةِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَقَدْ أُسْنِدَ الْخِلَافُ إلَيْهِ حَتَّى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. الَّذِي صَحَّ عِنْدَنَا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ، وَمَنْ يُطْلِقُ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّحْقِيقُ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّ الْخِطَابَ إمَّا أَنْ يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>