للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّتِي تُوصَفُ بِأَنَّهُمْ أَهْلُهَا وَأَمَّا الْمَصْدَرُ فَنِسْبَتُهُ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ.

(السَّابِعَ عَشَرَ) : قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: ٥٨] وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ حَالَةَ الْمُبَاشَرَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا (لِتَحْكُمُوا) لِأَنَّ مَعْمُولَ الْمَصْدَرِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الظَّرْفِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَعْمُولٌ (لِحَكَمْتُمْ) كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ فِي " إذَا " حَيْثُ وَقَعَتْ شَرْطًا. وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ هُنَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ جَوَابٍ. وَجَوَابُهَا إنَّمَا يَكُونُ جُمْلَةً، وَقَوْلُهُ (أَنْ تَحْكُمُوا) لَيْسَ بِجُمْلَةٍ فَلَا يُصْلَحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابَ الشَّرْطِ، فَلِذَلِكَ يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ هُنَا ظَرْفِيَّةً وَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ (أَنْ تَحْكُمُوا) جُمْلَةً كَمَا لَوْ قَالَ: وَإِذَا حَكَمْتُمْ فَاحْكُمُوا بِالْعَدْلِ كَانَ الْكَلَامُ فِي الْعَامِلِ فِي " إذَا " عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ، هَلْ هُوَ الْجَوَابُ أَوْ الْفِعْلُ الْمُضَافُ إلَيْهِ " إذَا " هَذَا مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَالْحُكْمُ بِالْعَدْلِ مَأْمُورٌ بِهِ بِمُقْتَضَى الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ الَّذِي هُوَ أَدَاءُ الْأَمَانَاتِ، فَيَكُونُ مَضْمُونُهَا مَأْمُورًا بِهِ أَيْضًا، وَمَضْمُونُهَا هَلْ هُوَ الْجَوَابُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْطِ، فَيَكُونُ هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ الْمَشْرُوطُ، أَوْ هُوَ رَبْطُ الْجَوَابِ بِالشَّرْطِ فَيَكُونُ غَيْرَهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ.

(الثَّامِنَ عَشَرَ) : " الْعَدْلُ " مَصْدَرُ عَدَلَ يَعْدِلُ عَدْلًا؛ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ. فَإِنَّ الْعَدْلَ قَدْ يَكُونُ قَوْلًا غَيْرَ حُكْمٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: ١٥٢] وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: ٨] فَالْإِقْرَارُ بِالْحَقِّ عَدْلٌ وَلَيْسَ بِحُكْمٍ، وَالْحُكْمُ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا وَقَدْ يَكُونُ جَوْرًا. (التَّاسِعَ عَشَرَ) الْبَاءُ فِي " بِالْعَدْلِ " لِلِاسْتِعَانَةِ وَقَدْ يُقَالُ: الِاسْتِعَانَةُ أَوْ السَّبَبِيَّةُ إنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى شَيْءٍ مُغَايِرٍ لِلْفِعْلِ يُسْتَعَانُ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ يَكُونُ سَبَبًا فِيهِ؟ وَالْحُكْمُ لَيْسَ خَارِجًا مِنْ الْعَدْلِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْعَدْلُ سَبَبًا أَوْ مُسْتَعَانًا بِهِ فِيهِ؟ وَالْجَوَابُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ نَقُولَ: لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ عَدْلٌ نَوْعًا مِنْ الْحُكْمِ وَالنَّوْعُ أَخُصُّ مِنْ الْجِنْسِ وَالْأَخَصُّ غَيْرُ الْأَعَمِّ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ سَبَبًا فِي حُصُولِ الْأَعَمِّ أَوْ مُسْتَعَانًا بِهِ عَلَيْهِ؛ كَقَوْلِك: تَحَرَّكْت بِالْقِيَامِ. وَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ الْعَدْلُ قَدْ نُقِلَ عَنْ الْمَصْدَرِ إلَى الْمُفْضِي بِهِ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ " الْقَوْلُ " " وَالْكَلَامُ " " وَاللَّفْظُ " وَمَا أَشْبَهَهَا تَارَةً وَيُرَادُ بِهَا نَفْسُ اللَّفْظِ وَهُوَ الْمَصْدَرُ، وَتَارَةً يُرَادُ بِهَا الْمَلْفُوظُ بِهِ فَلَا يَكُونُ مَصْدَرًا وَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ الْبَاءُ عَلَيْهِ، كَقَوْلِك: تَكَلَّمْت بِكَلَامٍ. وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} [النور: ١٦] .

(الْعِشْرُونَ) : قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء: ٥٨] هِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>