للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْجَوَابُ) قَدْ يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ يَعُودُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ قَالَ: يُقَدَّمُ الْأَرْشَدُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَالْأَقْرَبُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَالْمُنْتَسِبُ إلَيْهِ بِالذُّكُورِ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ، وَيُحْتَجُّ بِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ يَعُودُ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ وَعَطْفُ الْمُفْرَدَاتِ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي هَذَا الْوَقْفِ فِي الْمُنْتَسِبِينَ بِالذُّكُورِ رَشِيدٌ وَأَرْشَدُ لَا يَتَقَدَّمُ الْأَرْشَدُ عَلَى الرَّشِيدِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَرْشَدَ إنَّمَا يُقَدَّمُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ، وَهَذَا الْوَهْمُ مُنْدَفِعٌ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

(أَحَدُهَا) أَنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ فِي هَذَا الْوَقْفِ وَمَا أَشْبَهَهُ خِلَافُهُ وَأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ وَأَنَّ كُلَّ وَصْفٍ مِمَّا ذُكِرَ يُقَدَّمُ عَلَى ضِدِّهِ فَيُقَدَّمُ الْأَرْشَدُ عَلَى غَيْرِ الْأَرْشَدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ أَمْ مِنْ أَوْلَادِ الْإِنَاثِ وَيُقَدَّمُ الْمُنْتَسِبُ بِالذُّكُورِ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ سَوَاءٌ كَانَ أَرْشَدَ أَمْ لَمْ يَكُنْ.

هَذَا هُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ فِي هَذَا الْكَلَامِ وَأَشْبَهَهُ وَلَا بَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا الشَّافِعِيُّ بِالْعَوْدِ إلَى الْجَمِيعِ لَا بِبَيِّنَةٍ، وَالْقَرِينَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ تَقْدِمَةِ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى ضِدِّهِ صَارِفَةٌ عَنْهُ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا سَبَقَ الذِّهْنُ إلَيْهِ.

(الْأَمْرُ الثَّانِي) مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الْقَرِينَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَهِيَ مَعَ سَبْقِ الذِّهْنِ شَيْئَانِ.

(الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِهَذَا التَّوَهُّمِ لَزِمَ التَّخْصِيصُ أَوْ التَّقْيِيدُ فِي الْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ. فَلِهَذَا الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ جَعَلْنَاهُ لِلْأَخِيرَةِ فَقَطْ. إذَا عَرَفَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ لِلْأُنْثَى ذَاتِ الزَّوْجِ الْعُلْيَا وَالذَّكَرُ السَّافِلُ فِي الْأَرْشَدِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالتَّسَاقُطِ لِتَعَارُضِ وَيَنْظُرُ الْحَاكِمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَنْظُرَانِ جَمِيعًا لِأَمْرَيْنِ:

(أَحَدِهِمَا) أَنَّهُ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْجَمِيعِ وَقَدَّمَ مِنْهُمْ بَعْضَهُمْ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْمُقْتَضِي لِلتَّقْدِيمِ لَمْ يُوجِبْ النَّظَرَ عَمَلًا بِالشَّرْطِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ.

(وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ يُقَدَّمُ وَالْأَرْشَدُ الْأَقْرَبُ حَتَّى يَكُونَ اعْتَبَرَ مَجْمُوعَ الصِّفَتَيْنِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ بَلْ قَالَ الْأَرْشَدُ وَالْأَقْرَبُ فَأَقُولُ: إذَا وُجِدَ أَرْشَدُ لَيْسَ أَقْرَبَ وَأَقْرَبُ لَيْسَ أَرْشَدَ لَكِنَّهُ رَشِيدٌ فَلَا تَعَارُضَ وَصِفَةُ الْأَقْرَبِيَّةِ لَيْسَتْ مُعَارِضَةً لِصِفَةِ الْأَرْشَدِيَّةِ فَيَكُونَانِ نَاظِرَيْنِ عَلَى الِاجْتِمَاعِ فَكَمَا لَوْ وَصَى لِابْنَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ، هَذَا إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ لَيْسَ بِأَرْشَدَ وَلَا قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ مُعَارِضَةٌ.

وَأَمَّا عِنْدَ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَقَدْ يُرَجَّحُ إحْدَاهُمَا بِالْقُرْبِ فَعَلَى قِيَاسِ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ تُقَدَّمُ هُنَا بَيِّنَةُ الْأَقْرَبِ وَعَلَى قِيَاسِ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ لَا يَلْزَمُ هُنَا تَقْدِيمٌ إلَّا بَعْدَ بَلْ قِيَاسُهُ اسْتِمْرَارُ التَّعَارُضِ وَحِينَئِذٍ يَأْتِي مَا قَدَّمْنَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْأَقْرَبِيَّةِ أَوْ يُقَالُ: إنَّهُمَا تَسَاقَطَا وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ.

وَهَذَا أَوْلَى الِاحْتِمَالَيْنِ إذَا قُلْنَا بِالتَّسَاقُطِ وَيُحْتَمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>