عَلَى فُتْيَا صُورَتُهَا أَنَّهُ جُعِلَ النَّظَرُ لِحَاكِمِ دِمَشْقَ وَكَانَ حِينَئِذٍ بِدِمَشْقَ حَاكِمٌ وَاحِدٌ عَلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ إنَّهُ وَلَّى السُّلْطَانُ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي دِمَشْقَ أَرْبَعَةَ قُضَاةٍ وَكَانَ الْقَاضِي الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْوَقْفِ وَبَعْدَ ذَلِكَ وَلِيَ الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ وَأَحَدُهُمْ عَلَى مَذْهَبِ الَّذِي كَانَ حِينَ الْوَقْفِ فَهَلْ يَخْتَصُّ النَّظَرُ بِأَحَدِهِمْ الَّذِي كَانَ هُوَ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي الَّذِي كَانَ حِينَ الْوَقْفِ أَمْ لَا؟ وَقَدْ كَتَبَ عَلَيْهَا الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْفَارِقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الَّذِي هُوَ عَلَى مَذْهَبِ الْمَوْجُودِ حِينَ الْوَقْفِ.
نَقَلْته بِالْمَعْنَى لِعُسْرِ عَيْنِ اللَّفْظِ عَلَيَّ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ وَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْحَرِيرِيِّ وَالشَّيْخُ صَفِيُّ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ وَآخَرَانِ وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ الشَّرِيشِيُّ.
قَالَ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ وَهَذَا رَأْيِي وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ، وَكَانَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ أَفْتَى فِيمَنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِفُلَانٍ ثُمَّ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِدِمَشْقَ هَلْ يَخْتَصُّ بِحَاكِمِ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ قُلْت لَا يَخْتَصُّ النَّظَرُ الْمَشْرُوطُ لِلْحَاكِمِ بِحَاكِمِ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ بِمَا ذَكَرَ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِفَتْوَى الْعُلَمَاءِ الْمَذْكُورِينَ فَقَالَ هَذَا لَا يُنَافِي مَا قُلْت وَاعْتَذَرَ بِاعْتِذَارَاتٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ حَالَةَ الْوَقْفِ لِقَاضٍ وَاحِدٍ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ بِمَا ذُكِرَ أَيْ لِمُجَرَّدِ الْمَذْكُورِ لَا يَخْتَصُّ وَهُنَاكَ اخْتِصَاصٌ بِالْقَرِينَةِ، وَمِنْهَا أَنَّ فَتْوَاهُ فِي مَسْأَلَةِ وَالِي بَعْضِ الْحُكَّامِ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ وَفُرِضَ بِمُقْتَضَى رَأْيِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ وَهَذِهِ الِاعْتِذَارَاتُ كُلُّهَا مَعْنَاهَا أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الِاعْتِذَارَاتِ فِيهَا نَظَرٌ وَالْحَقُّ فِي مَسْأَلَتِهِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْقَاضِي الْكَبِيرِ الَّذِي يَسْبِقُ الذِّهْنُ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ وَلِذَلِكَ لَا يَدْخُلُ النُّوَّابُ فِيهِ، وَبَحَثَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَفْتَى فِيهَا جَمَاعَةٌ بِمَا إذَا قَالَ لَا رَأَيْت مُنْكَرًا إلَّا رَفَعْتُهُ إلَى الْقَاضِي فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْبَلَدِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْهُودِ لَكِنْ هَلْ يَتَعَيَّنُ قَاضِي الْبَلَدِ فِي الْحَالِ؟ أَشْبَهُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ حَتَّى إنَّهُ لَوْ عُزِلَ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ بَرَّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضِيَانِ وَجَوَّزْنَاهُ دَفَعَ إلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا.
قَالَ عَلِيٌّ السُّبْكِيُّ مَسْأَلَةُ الْيَمِينِ الْعَهْدُ فِيهَا يَقْتَضِي ذَلِكَ الْقَاضِيَ الْمَوْجُودَ بِعَيْنِهِ لَكِنَّ الْقَرِينَةَ تَقْتَضِي أَنَّ الْحَالِفَ إنَّمَا قَصَدَ رَفْعَ الْمُنْكَرِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِهِ وَبِمَنْ يَتَوَلَّى مَكَانَهُ وَبِأَيِّ مَنْ كَانَ مِنْ الْقُضَاةِ فِي الْبَلَدِ عِنْدَ التَّعَدُّدِ بِخِلَافِ شَرْطِ النَّظَرِ فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ لِاثْنَيْنِ حَصَلَ الِاخْتِلَافُ وَتَعَطَّلَتْ الْمَصْلَحَةُ لِدَلِيلِ التَّمَانُعِ فَالْقَرِينَةُ تَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا نَجْعَلُهُ لِوَاحِدٍ يَقُومُ بِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ وَإِذَا كَانَ لِاثْنَيْنِ فَالْأَقْرَبُ إلَى غَرَضِهِ مَنْ كَانَ حِينَ الْوَقْفِ أَوْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ لَا غَرَضَ فِيهِ وَمِثْلُهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ لِاخْتِلَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute