وَانْغَمَرَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ الْمُقَابِلَةُ لَهُ فِي قَلْبِهِ. وَمَنْ جَوَّزَ الْأَمْرَيْنِ نَظَرَ إلَى الطَّرَفَيْنِ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَاكًّا فِيهَا هُوَ حَاصِلٌ الْآنَ، وَلَا مُقَصِّرًا فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِلشَّكِّ فِي الْقَبُولِ وَهَلْ يَلْتَفِتُ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هَلْ يُوصَفُ بِالْقَبُولِ وَعَدَمِهِ أَوْ بِالصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا أَمَّا الْقَبُولُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ الْإِيمَانُ وَالْوَفَاةُ عَلَيْهِ قُبِلَ قَطْعًا، وَكَذَا الصِّحَّةُ إذَا اتَّفَقَ التَّصْدِيقُ الْمُطَابِقُ وَمَاتَ عَلَيْهِ فَهُوَ صَحِيحٌ قَطْعًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ فَسَادُهُ إذَا صَدَّقَ تَصْدِيقًا غَيْرَ مُطَابِقٍ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ.
فَمَنْ يَعْتَقِدُ فِي اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِي صِفَاتِهِ مَا يَكْفُرُ بِهِ لَا يُقَالُ إنَّهُ مُؤْمِنٌ إيمَانًا فَاسِدًا، بَلْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ فَالْإِيمَانُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ كَأَدَاءِ الدَّيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُ.
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ حُمِلَتْ " إنْ " فِيهِ عَلَى مَا وُضِعَتْ لَهُ فِي اللُّغَةِ مِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمُحْتَمَلِ الَّذِي يُقَالُ إنَّهُ الشَّكُّ وَقَدْ عَرَّفْنَاك تَخْرِيجَ الشَّكِّ فِيهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْتَضِي كُفْرًا وَلَا شَكًّا فِي الْإِيمَانِ، أَمَّا إذَا قَصَدَ بِهَا جَاهِلٌ شَكًّا فِي أَصْلِ التَّصْدِيقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَذَلِكَ بَاطِلٌ وَكُفْرٌ وَضَلَالٌ.
(الْمَسْأَلَة السَّابِعَةُ) " إنْ " تَدْخُلُ عَلَى شَرْطٍ وَجَزَاءٍ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مُسْتَقِلَّيْنِ كَقَوْلِك: إنْ جِئْتنِي أَكْرَمْتُكَ، وَلَك أَنْ تُقَدِّمَ الْجَزَاءَ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ هُوَ عَيْنَ الْجَزَاءِ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَدَلِيلُهُ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ: كَقَوْلِك أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَوَضْعُ اللِّسَانِ يَقْتَضِي الِاسْتِقْبَالَ كَمَا قُلْنَاهُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَا مُؤْمِنٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا أَنَا مُؤْمِنٌ فِي الْحَالِ، لَكِنَّ النَّاسَ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْهَا ذَلِكَ وَلَمْ يَضَعُوا هَذَا الْكَلَامَ إلَّا لِلِاحْتِرَازِ مِنْ الْقَطْعِ بِالْإِيمَانِ فِي الْحَالِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ أَنَا مُؤْمِنٌ فِي الْحَالِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا تَطَرَّقَ إلَيْهِ التَّرَدُّدُ بِالِاعْتِبَارَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا صَارَ لَهُ ارْتِبَاطٌ بِالْمُسْتَقْبَلِ، فَجَازَ تَعْلِيقُهُ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَالْحَاضِرُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَمَّا الْحَاضِرُ الْمَقْطُوعُ بِهِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَعْلِيقُهُ، فَلَا يُقَالُ أَنَا إنْسَانٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْمَرَازِقَةِ فَإِنَّهُمْ مُبْتَدِعَةٌ جُهَّالٌ ضُلَّالٌ فِي ذَلِكَ وَلِتَعْلِيقِ الْحَالِ بِالْمَشِيئَةِ وَجْهٌ يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللُّغَةِ.
وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إنْ كَانَ اللَّهُ شَاءَ فَأَنَا مُؤْمِنٌ فَهُوَ جَائِزٌ بِالِاعْتِبَارَاتِ الَّتِي قُلْنَاهَا، وَلَكِنَّا ذَكَرْنَا لَفْظَ " كَانَ " تَصْحِيحًا لِلتَّعْلِيقِ بِحَسَبِ اللُّغَةِ لِيَصِيرَ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ حَتَّى يَكُونَ الشَّرْطُ مُسْتَقْبَلًا وَالْجَزَاءُ يَكُونُ مَحْذُوفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْمَذْكُورُ، كَمَا تَقُولُ إنْ أَكْرَمْتَنِي غَدًا فَأَنَا الْآنَ مُحْسِنٌ إلَيْك فَلَا بِدْعَ فِي إكْرَامِك لِي لِأَنِّي مُحْسِنٌ إلَيْك الْآنَ.
(الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) خَرَّجُوا " إنْ شَاءَ اللَّهُ " هَاهُنَا عَلَى مَعْنًى آخَرَ غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute