وَأَزْيَدَ فَرَأَى النَّاظِرُ أَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى مُبَاشِرٍ ثَانٍ مَعَ الْمُشَارِفِ لِضَبْطِ وَقْفِهَا وَمُحَاسِبَةِ مَنْ بِهِ وَاسْتِخْرَاجِ رِيعِهِ فَرَتَّبَ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ وَجَعَلَ لَهُ دُونَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ وَنَفَّذَ ذَلِكَ وُلَاةُ الْأُمُورِ مِنْ السُّلْطَانِ وَنَائِبِهِ وَحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ.
فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ أَمْ لَا وَهَلْ لِلْمُبَاشِرِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ أَمْ لَا؟ يُبَيِّنُ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا الْحَقَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
(الْجَوَابُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُدَرِّسِ ذِكْرُ الدَّرْسِ كُلَّ يَوْمٍ وَأَمَّا الْخِلَافُ فَإِنْ طُلِبَ مِنْهُ تَعَيَّنَ أَيْضًا وَأَمَّا الْأُصُولُ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ لِذِكْرِ الْوَاقِفِ لَهُ فَيَنْبَغِي ذِكْرُهُ وَلَا يَجِبُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ عِلْمًا رَابِعًا أَوْ أَكْثَرَ وَتَعْيِينُهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ.
وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ تُفَوَّضُ إلَى رَأْيِهِ وَالْوَاجِبُ الْمَذْهَبُ فَقَطْ وَالْخِلَافُ مَعَهُ إنْ طُلِبَ وَبِغَيْرِ طَلَبٍ لَا يَجِبُ وَلَا يَلْزَمُهُ ذِكْرُ عِدَّةِ دُرُوسٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُدَرِّسَ الْمُرَتَّبَ لَهَا يُبَاكِرُ إلَى آخِرِهِ لَيْسَ شَرْطًا عَلَى الْمُدَرِّسِ بَلْ هُوَ بَيَانُ الْوَقْفِ وَأَنَّ الْمَدْرَسَةَ جُعِلَتْ لِذَلِكَ فَأَخْذُ نِصْفِ الدَّرْسِ الَّذِي جَعَلَتْ الْمَدْرَسَةُ لَهُ بِأَنَّ الْمُدَرِّسَ يُبَاكِرُ إلَى الْحُضُورِ فِي مَوْضِعِ الدَّرْسِ وَجَمْعُ الْجَمَاعَةِ لَهُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْحُضُورِ وَلَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْمُدَرِّسِ بَلْ الْجَامِعُ لِلْجَمَاعَةِ غَيْرُهُ إمَّا النَّقِيبُ وَإِمَّا هُمْ مِنْ نَفْسِهِمْ فَيَجْتَمِعُونَ لِأَجْلِ الْمُدَرِّسِ وَحُضُورُهُ وَبَاعِثٌ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُدَرِّسِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْحُضُورِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَيَحْتَمِلُ احْتِمَالًا ثَالِثًا أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِمَوْضِعِ الدَّرْسِ.
وَقَوْلُهُ وَيَبْدَءُوا ذَكَرَهُ مَنْصُوبًا بِحَذْفِ النُّونِ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَصْدَرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَهُمَا الْحُضُورُ وَالْجَمْعُ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى وَالْبُدَاءَةُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ
لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي
وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْجَمَاعَةُ لَهُ مَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنَى طَائِلٌ وَلَوْلَا كِتَابَةُ يَبْدَءُوا بِوَاوٍ وَأَلِفٍ كُنْت أَقُولُ إنَّ الْمَعْنَى يَبْدَأُ الْمُدَرِّسُ بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْجَمَاعَةُ بِهِ وَتَكُونُ الْبَاءُ طَالَتْ فَصَارَتْ لَامَا، وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَشْفَعُ أَيْ الْمُدَرِّسُ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى يُبَاكِرُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ الْمُدَرِّسُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ مِنْهُ لِذَلِكَ، وَلَا يُفَوِّضُ الدُّعَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَمَا عَادَةُ أَكْثَرِ الدُّرُوسِ وَإِنْ كَانَ إذَا دَعَا غَيْرُهُ وَأَمَّنَ هُوَ كَانَ دَاعِيًا وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ إلَى التَّبَادُرِ إلَى الْفَهْمِ مِنْ غَرَضِ الْوَاقِفِ؛ وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَشْرَعُ عَطْفٌ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ مَذْهَبًا وَخِلَافًا وَأُصُولًا مَنْصُوبَاتٌ عَلَى التَّمْيِيزِ وَالْمَعْنَى وَقَفَ الْمَدْرَسَةَ لِهَذَا الْقَصْدِ مِنْ مُبَاكَرَةِ الْمُدَرِّسِ إلَى الْحُضُورِ لِيَجْمَعَ الْجَمَاعَةَ عِنْدَهُ وَيَقْرَءُوا جَمِيعُهُمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَيَدْعُو الْمُدَرِّسُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْوَاقِفِ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي الدَّرْسِ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute