فَهَلْ يُقَالُ إنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَوْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ حَتَّى يَنْقَرِضَ آبَاؤُهُمْ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الشَّيْءِ هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْهُ الْقَوِيُّ فِيهِ.
(الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ) التَّرْتِيبُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ لَفْظَةِ " ثُمَّ " ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُصْرَفَ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْقَرِضَ جَمِيعُ الْأَوْلَادِ؛ وَهُوَ مَوْضُوعُ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ اقْتَضَى تَأَخُّرَ مُسَمَّى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَنْ مُسَمَّى الْأَوْلَادِ وَمَجْمُوعِهِمْ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ وَأَمَّا تَرْتِيبُ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ فَلَيْسَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَقَرِينَةٍ فِي لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
(الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ) إنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ الْأَوْلَادِ فِي حَيَاةِ بَاقِيهِمْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى الْبَاقِينَ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ أَوْ يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ لَا يَتَأَتَّيَانِ فِيمَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ فِي حَيَاةِ بَاقِيهِمْ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى الْبَاقِينَ وَالْفَرْقُ أَنَّ مُسَمَّى الْوَلَدِ بَاقٍ، وَالْوَقْفُ عَلَى الْأَوْلَادِ كَالْوَقْفِ عَلَى الْجِهَةِ وَالْجِهَةُ صَادِقَةٌ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَمَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ فَلِذَلِكَ لَا نَقُولُ بِالِانْقِطَاعِ وَلَا بِالِانْتِقَالِ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَبَلَغَنِي أَنَّ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ رِوَايَةً أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَيُحْمَلُ التَّرْتِيبُ عَلَى تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَهِيَ كَالْوَجْهِ الَّذِي عِنْدَنَا فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ وَلَكِنَّ الْفَرْقَ الَّذِي أَوْضَحْنَاهُ نَعَمْ لَوْ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ كَتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ هُنَا قَدْ قَوِيَ جَانِبُ الْأَعْيَانِ وَضَعُفَ جَانِبُ الْجِهَةِ وَلَوْ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ كُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثٌ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَهَذَا الْفَصْلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَثَلَاثَةِ أَوْقَافٍ فَهُنَا يَضْعُفُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ وَاحِدٌ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ إلَى الْبَاقِينَ وَيَقْوَى الْقَوْلُ بِأَنَّ نَصِيبَهُ يُنْقَلُ إلَى الْفُقَرَاءِ.
(الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ) تَرْتِيبُ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَوْلَادِ تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، وَتَرْتِيبُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ تَارَةً يُرَادُ بِهِ تَرْتِيبُ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ فَرْعٍ مُتَرَتِّبًا عَلَى أَصْلِهِ، فَهُنَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْأَفْرَادُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْجُمْلَةُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَتَارَةً يُرَادُ بِهِ تَرْتِيبُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ، وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَا أَنَّهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ مِثَالُهُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْقَرِضَ جَمِيعُ الْأَوْلَادِ وَمِثَالُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نَصِيبُ أَصْلِهِ وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ وَاسِطَةٌ مِثَالُهُ أَنْ يُرَادَ تَرْتِيبُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ إلَّا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَنُصُّ الْوَاقِفُ عَلَيْهَا مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ لَا يَنْتَقِلُ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَيْءٌ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ نَصِيبٌ قَدْ اسْتَحَقَّهُ وَمَاتَ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ لِوَلَدِهِ فَلَا يَدْخُلُ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute