تَعَالَى فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ وَنَحْوُهُ الْقَوْلُ إنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ وَفِي قَوْله تَعَالَى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح: ٢٧] إشْعَارٌ بِتَأْدِيبِنَا بِهَذَا وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مَقْطُوعًا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ مَعَ تَعَلُّقِ عِلْمِهِ الْقَدِيمِ بِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ آمَنِينَ لِنَتَأَدَّبَ فَنَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ إذْ الْقَاعِدَةُ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ صَرْفُهُ إلَى الْمُخَاطَبِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: ١٤٧] وَنَحْوُهُ {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٤] قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي مَعْنَاهُ اذْهَبَا عَلَى رَجَائِكُمَا. وَهُوَ كَثِيرٌ، وَعَلَى هَذَا مَا جَاءَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» وَنَحْنُ مُتَقَيِّدُونَ بِذَلِكَ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلُّ أَحَدٍ؛ لَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ لَاحِقٌ بِهِمْ، وَإِنَّمَا اُسْتُعْمِلَتْ الْمَشِيئَةُ تَأَدُّبًا وَتَبَرُّكًا. وَعَنْ عَلْقَمَةَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ " لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَلَا تَصُومُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقِيلَ إنَّك إذَا قُلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ شَكَّكْتَنِي قَالَ إذَا قُلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَيْسَ فِيهِ شَكٌّ " وَكَانَ ابْنُ عَوْنٍ قَلَّمَا يَتَكَلَّمُ إلَّا اسْتَثْنَى فِي كَلَامِهِ فَقِيلَ أَتَشُكُّ فِيمَا تَسْتَثْنِي قَالَ أَمَّا مَا أَسْتَثْنِي فِيهِ فَهُوَ الْيَقِينُ وَإِمَّا مَا شَكَكْت فِيهِ فَلَا أَتَكَلَّمُ بِهِ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ هَضْمُ النَّفْسِ بِتَرْكِ التَّزْكِيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيمَانَ أَفْضَلُ الصِّفَاتِ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ أَنَا مُؤْمِنٌ، فَقَدْ زَكَّى نَفْسَهُ حَيْثُ أَثْبَتَ لَهَا أَفْضَلَ الصِّفَاتِ وَتَزْكِيَةُ النَّفْسِ مَدْمُومَةٌ.
قَالَ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: ٤٩] وَقَالَ تَعَالَى {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: ٣٢] فَفِي قَوْلِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " تَحَرُّزٌ مِمَّا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ " أَنَا مُؤْمِنٌ " مِنْ التَّزْكِيَةِ. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَشِيئَةَ رَاجِعَةٌ إلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ لَا إلَى أَصْلِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ٤] مَعَ أَنَّ غَيْرَهُمْ مُؤْمِنُونَ. فَالْمَقْصُودُ كَوْنُهُمْ كَامِلِي الْإِيمَانِ. وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي.
قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً» فَقَوْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute