للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي بَابِ الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَيُدَبِّرُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا لَوْ قَالَا: أَنْتَ حَبْسٌ عَلَى الْآخَرِ مِنَّا حَتَّى يَمُوتَ ثُمَّ أَنْتَ حُرٌّ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَوْصَى لِصَاحِبِهِ نِصْفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ هُوَ، فَيَكُونُ وَصِيَّةً فِي الثُّلُثِ جَائِزَةٌ وَيُعْتَقُ بِمَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا، وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ فِيهِ أَنَّهُ كَمَا إذَا قَالَا إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ الْمَنْفَعَةَ بَيْنَ الْمَوْتَيْنِ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ وَهَا هُنَا هِيَ لِلْآخَرِ، وَكَذَلِكَ الْكَسْبُ وَكَانَ أَوَّلُهُمَا مَوْتًا انْتَهَى، وَقَدْ ذَكَرَ فِيمَا إذَا قَالَ: إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَمَاتَا مُرَتَّبًا أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ لِوَرَثَتِهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِيهِ فِيمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ انْتَهَى.

وَهَاهُنَا هَلْ نَقُولُ: إنَّهُ بَيْنَ الْمَوْتَيْنِ نَصِيبُ الْمَيِّتِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْحَيِّ، أَوْ مِلْكٌ لَهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ كَالْوَرَثَةِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ؟ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ النَّصِّ الَّذِي حَكَيْنَاهُ الثَّانِي، وَلَفْظَةُ " حَبْسٌ " أَقْرَبُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي الْوَقْفِ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصِيرُ كَمَا لَوْ وَقَفَ بِالْمَوْتِ يَنْتَهِي بِمَوْتِهِ، فَيَكُونُ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ بِشَرْطِ أَنَّهُ بَعْدَهُ لَا يَكُونُ وَقْفًا، وَقَدْ يُمْنَعُ هَذَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي مَعْنَى الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْعَتِيقَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَمَنْفَعَتَهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَفِي مَعْنَاهُ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا فِي جَوَازِ الْوَطْءِ لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ وَقْفًا لَمْ يَجُزْ الْوَطْءُ.

وَإِنْ جَعَلْنَاهُ وَصِيَّةً احْتَمَلَ أَنْ يَجُوزَ وَلَوْ احْتَمَلَ الْمَنْعَ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ فَيَحْصُلُ الِاسْتِيلَادُ فَيَنْقَطِعُ وَلَاءُ التَّدْبِيرِ السَّابِقِ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ سَوَاءٌ حَكَمْنَا بِكَوْنِهِ مِلْكًا، أَوْ وَقْفًا يَحْصُلُ الِاسْتِشْهَادُ بِالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ حَبْسًا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَنَحْنُ كَذَلِكَ نَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِشْهَادِ إنَّهُ يَصِحُّ وَصِيَّةً لَكِنْ لَيْسَ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَا لِلنَّاظِرِ فِي أَمْرِهِمْ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَصَّى لَهُمْ بِهَا عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ يَنْتَفِعُونَ بِمَنْفَعَتِهَا، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: هِيَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى زَيْدٍ مُرَادُهُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا تَوْقِيتَ، بَلْ هُوَ مُنْقَطِعُ الْآخِرِ يَكُونُ بَعْدَهُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ غَيْرِ الْوَارِثِينَ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لَا يَدْخُلُ الْوَارِثُ فِيهَا، وَفِي مَسْأَلَةِ التَّدْبِيرِ لَمَّا نَصَّ عَلَى الْعِتْقِ كَانَ كَقَوْلِهِ بَعْدَ زَيْدٍ لَا يَكُونُ وَقْفًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ.

وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ تَقْرِيرُ مَسْأَلَةِ الْأُسْتَاذِ وَتَصْحِيحُهَا وَإِيرَادُ إذَا قَالَ: هَذَا وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ إلَى أَنْ مَاتَ وَخَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَصَايَا فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَفِي جَوَازِ الرُّجُوعِ، وَفِي عَدَمِ صَرْفِهِ لِلْوَارِثِ، وَحُكْمِ الْأَوْقَافِ فِي تَأْبِيدِهِ وَعَدَمِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَإِرْثِهِ، وَلَيْسَ خَارِجًا فِي هَذَا أَيْضًا عَنْ حُكْمِ الْوَصَايَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَصَّى كَذَلِكَ فَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَصَّى بِهِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَصَّيْت بِأَنْ يَسْلُكَ بِهِ مَسْلَكَ الْأَوْقَافِ مِنْ صَرْفِ الرِّيعِ لِتِلْكَ السَّبِيلِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا وَحَبْسَ الْعَيْنَ لِأَجَلِهَا وَأَنْ يَجْرِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>