للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى ذَلِكَ وَكَيْفَ وَهُوَ إمَامُ الْعُلَمَاءِ سَيِّدُ مَنْ بَعْدَهُ فَالْبِدْعَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَفْظٌ مَوْضُوعٌ فِي الشَّرْعِ لِلْحَادِثِ الْمَذْمُومِ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا قُيِّدَتْ الْبِدْعَةُ بِالْمُسْتَحَبَّةِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ، وَيَكُونُ مَجَازًا شَرْعِيًّا حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً.

فَقَدْ بَانَ بِهَذَا أَنَّ كَنْسَ الْمَسْجِدِ وَتَنْوِيرَهُ بِالْقَنَادِيلِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ بِبِدْعَةٍ وَالتَّنْوِيرُ أَيْضًا خَاصٌّ بِالْمَسْجِدِ فِيهِ تَهَيُّؤُهُ لَيْلًا لِلْعِبَادَاتِ، فَهُوَ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْأَذَانِ بِذَلِكَ؛ وَبِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ فِي مُدَّةِ اللَّيْلِ وَهِيَ أَطْوَلُ مِنْ أَوْقَاتِ الْأَذَانِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ مُدَّةِ مَنْفَعَةِ الْكَنْسِ فَإِنَّهَا لَيْلًا وَنَهَارًا.

وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ مِنْ مَالٍ خَاصٍّ بِالْمَسْجِدِ وَهِيَ الْحَالَةُ الْأُولَى، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ أَوْلَى فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ فَلِعَظَمِ مَوْقِعِهِ فِي الدِّينِ وَتَنْوِيرِهِ لِقُلُوبِ الْمُوَحِّدِينَ، وَالْأَذَانُ مَطْلُوبٌ لِلشَّرْعِ طَلَبًا مُؤَكَّدًا إمَّا وُجُوبًا عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَإِمَّا اسْتِحْبَابًا مُؤَكَّدًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ شِعَارُ الْإِسْلَامِ وَعَلَامَةُ الْإِيمَانِ، وَلَمْ يَجْمَعْ ذِكْرٌ مِنْ الْأَذْكَارِ مَا جَمَعَهُ وَفَضَائِلُهُ وَمَنَاقِبُ أَهْلِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَهُوَ مِنْ أَعْلَى شُعَبِ الْإِيمَانِ وَكَنْسُ الْمَسْجِدِ مِنْ أَدْنَاهَا لِمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ «حَتَّى الْقَذَاةِ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنْ الْمَسْجِدِ» فَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَدْنَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَكَيْفَ نُسَاوِي بَيْنَ أَعْلَى الْأَعْمَالِ مِنْ أَدْنَاهَا فَضْلًا مِنْ أَنَّ تَقَدُّمَ أَدْنَاهَا عَلَى أَعْلَاهَا وَالنَّظَرُ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ إذَا تَعَارَضَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، وَنَصْبُ الْمُؤَذِّنِ فِي الْبَلَدِ فَالْمَحَلَّةِ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَكَنْسُ مَسْجِدٍ خَاصٍّ وَتَنْوِيرُهُ لَيْسَ مُهِمًّا فِي الدِّينِ فَلَا عَلَيْنَا إذَا عَلَّقَ لِيَحْصُلَ مَا هُوَ أَهَمُّ فِي الدِّينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

{مَسْأَلَةٌ} فِي نَاظِرِ مَدْرَسَةٍ عَمِلَ فِيهَا نَقِيبًا بِمَعْلُومٍ، وَمَاتَ فَوَلِيَ النَّظَرَ آخَرُ هَلْ لَهُ تَغْيِيرُهُ؟ .

{الْجَوَابُ} فِعْلُ الْأَوَّلِ فِي الْمَعْلُومِ إنْ عَارَضَ شَرْطَ الْوَاقِفِ بِغَيْرِ النَّقِيبِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَيَجُوزُ، وَالثَّانِي لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً، وَإِنْ خَالَفَ الْأَوَّلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَفَ دَارًا لِحَدِيثِ الْأَشْرَفِيِّةِ مُخْتَصَرًا: هَذَا مَا وَقَفَهُ السُّلْطَانُ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ أَبُو الْفُتُوحِ مُوسَى بْنُ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ شَاذِي جَمِيعُ مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ فَمِنْهُ الدَّارُ وَمِنْهُ جَمِيعُ الْحَانُوتَيْنِ مِنْ شَرْقِ بَابِهَا وَجَمِيعِ الْحَانُوتِ مِنْ غَرْبِ الشِّبَّاكِ وَجَمِيعِ الْحُجْرَةِ يَصْعَدُ إلَيْهَا مِنْ بَابٍ مُلْصَقٍ بِالْحَانُوتِ وَجَمِيعُ الْحُجْرَةِ مِنْ غَرْبِ مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ وَمِنْهُ جَمِيعُ الْقَيْسَارِيَّةِ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ وَجَمِيعُ السَّابَاطِ قُبَالَتُهَا وَدَارٌ، وَمِنْهُ ثُلُثُ حَزْرِ مَا وَقْفًا مُؤَبَّدًا فَالدَّارُ دَارُ حَدِيثٍ.

وَأَمَّا سَائِرُ الْعَقَارِ فَمَوْقُوفٌ عَلَى مَصَالِحِ هَذِهِ الدَّارِ وَعَلَى أَهْلِهَا، يَبْدَأُ النَّاظِرُ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ بِعِمَارَةِ الدَّارِ وَعِمَارَةِ مَا هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>